محمود عباس رقص على السلم ، واردوغان يحلم بالزعامة/ حمدي حمودة

قيل وسمعنا من العديد من الشحصيات البارزة والكتاب والمحللين عن ما تفوه به ترامب الرئيس الأمريكى عن اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيونى ونقل السفارة الأمريكية الى القدس ، لقد تعددت الآراء من كل كتاب العالم حيث أن النسبة الكبيرة منهم رفضوا على لسان حكامهم ورؤسائهم هذا القرار الذى أشكل على كثير من الساسة أنه قرار ترامبى خالص ، ولكن للعلم انه قرار الكونجرس الذى اتخذ منذ 1995 على أن يعلن عنه رئيس الولايات المتحدة فى الوقت المناسب .
وتعددت الرؤساء ولم يجرؤ أى منهم أن يقوم بهذه الخطوة أثناء توليه الرئاسة لما يراه من تعقيدات ممكن تحول بينه وبين تحقيق الهدف بسلام رغم الحاح كل القادة الصهاينة على الرؤساء الذين سبقوا ترامب ، الا ان ترامب اعتقد انه هو الشجاع والمخول للقيام بهذا العمل متحديا ارادة الشعوب العربية والأسلامية خاصة بعد ان اخذ موافقة بعض حكام دول عربية واسلامية تماهت معه فى اعلان هذا القرار، بل طالبته والحت فى التعجيل به (دول المحور المعتدل) ظانا منهم أنهم ممسكين بزمام الأمور وأن ملك الأراضى الحجازية سلمان بن عبد العزيز نصب نفسه زعيما عربيا أو (ابنه محمد) الذى يهيئ نفسه ملكا بمبايعة والده له فى القريب العاجل .
ترامب لم يحسن التصرف وتعجل جدا فى اعلان القرار ، فلقد خدعته نفسه أولا وخدعه حلفاؤه العرب، فلم يكن الوقت مناسبا بأى شكل للأسباب الآتية :
1 – البدأ فى المصالحة الفلسطسنية والعمل على توحيد الشعب الفلسطينى ليكون قوة ضاربة بكل فصائله وفى مقدمتها فتح .
2 – انتهاء الحرب فى العراق وسوريا ولبنان والأجهاز على كل الجماعات التكفيرية (داعش والنصرة ومشتقاتها) واعلان النصر فى محور المقاومة الذى يضم ايران (دولة اقليمية كبرى) وسوريا والعراق وحزب الله اللبنانى والعراقى والحشد الشعبى وأحزاب جديدة تشكلت وحاربت فى دمشق وبغداد وبيروت للتخلص من هذه الجماعات الأرهابية تحت رعاية روسية .
3 – من أكبر النتائج التى تم اكتسابها بعد النصر هو عودة أنقرة بقوة الى حلف المقاومة وانسحابها من الحلف الأمريكى والأنقلاب على الكيان الصهيونى وواشنطن بعد أن اكتشف اردوغان حجم المؤامرة عليه والرغبة فى تقسيم تركيا واستبعادها من الناتو ورفض انضمامها الى الأتحاد الأوروبى .
4 – أما الأهم والمهم هو أن الأدارة الأمريكية وحلفائها لم يعوا جيدا مفهوم القدس وأهميتها بالنسبة للعرب وللمسلمين كافة فى أنحاء المعمورة ، خذلتهم نفوسهم وظنوا ان القرار سيمر بعد ارهاصات ومناوشات تستطيع امتصاصها قادة فلسطين المحتلة فى يومين أو اثنين أو اكثر ، لكنهم لم يتوقعوا ولم يحسبوا حساب انتفاضة ثالثة تأكل الأخضر واليابس وقرار استمراريتها الى ما شاء الله والذى أكد ذلك هو انتفاضة الشعوب العربية والأسلامية والعواصم الغربية وواشنطن وكل بلاد العالم التى تعى مدى أهمية القدس للبلاد الأسلامية وأن مثل هذا القرار ممكن أن يؤدى الى حرب عالمية ثالثة .
5 – كلمة شيخ الأزهر التى لم يكن يتوقعها الكيان الصهيونى ولا حلفاؤه من العرب وغيرهم ورفضه بقوة مقابلة نائب ترامب الا بعد عدوله فى القرار المشؤم ، وكذلك البابا تادروس ورفضه أيضا المقابلة ، وكلمة بابا الفتيكان الرافض لهذا القرار وكل المرجعيات الدينية ، المرشد العام فى ايران والسستانى فى العراق وغيرهم فى عواصم العالم .
لكل هذه الأسباب وفى مقدمتها جهوزية المقاومة بكل تشكيلاتها بالدخول فى حرب مع الكيان الصهيونى وحلفاؤه اذا اقتدى الأمر لذلك، فلا تفريط فى القدس العربية مهبط الأديان السماوية ، هذا مما أدى الى اجتماع سريع للجامعة العربية البائسة والتى لانفع من قراراتها ، الا انها أبدت عدم ارتياحها لهذه الخطوة الترامبية ولكن ندائها كان بصوت منخفض وقرارها لم يتواكب مع حجم الحدث ، وكذلك كلمة الأمين العام لمجلس الأمن الذى نوه عن خطورة مثل هذه خطوة ، لما يعيه من أهمية قصوى للقدس عند العرب والمسلمين ، الى أن وصلنا يوم الأربعاء 13 / 12/ 2017 الذى انعقد فيه مؤتمر أنقرة لمنظمة العالم الأسلامى الذى تزعمه اردوغان واستضاف فيه رؤساء وقادة دول اسلامية وعربية وأيضا الرئيس الفنزويلى من أمريكا الجنوبية بعد غياب حكام عرب مطبعين مع الكيان الصهيونى ، فاقدين للوعى تعمدوا عدم تلبية الدعوى نكاية فى المنظمة ورئيسها وراعيها . 
المهم هى النتائج التى جاءت فى الكلمة الختامية لكل من رئيس المظمة الفلسطينية محمود عباس والرئس التركى راعى المؤتمر ، فما أعلن عنه عباس ، مؤسف ومخجل للغاية ، فهو مثل الذى رقص على السلم ، لانزل ولا طلع ، وقف مكانه ثابتا ولم يقدر خطورة الموقف ولا أهمية الحدث ، كل ما أراده عباس وطالب به ( السلام او الأستسلام) كعادته ، واشنطن لم تعد مرغوب فيها لرعاية الحوار بين الكيان والفلسطينين ولا بد من ايجاد بديل لرعاية عملية السلام ، أى ان عباس لم ينتفض ولم يؤثر فيه الموقف ، هو ينادى بالدولتين حتى لو كان ذلك على حساب نهب القدس كما سرقت آلاف الدينومات الفلسطينية على مدى عمر الأحتلال ، هو يبحث فى دولة فيدرالية فى أى مكان ، والتخلى عن الأرض التى استولى الكيان الصهيونى على أكثر من سبعين فى المائة منها ، هو من عشاق السلام المؤدى الى الخزى والعار لأنه ليس مقاوم وليس عروبى ، هو ينظر الى دول التطبيع ويغره ما قامت به مع العدو الصهيونى من تبادل علاقات سياسية وثقافية واستراتيجية ، ستنقلب عليهم فى القريب العاجل بعد زوال الكيان من على الحريطة . 
أما المسكين أردوغان الذى ظن بعد أن استرد الوعى ، أن بانقلابه على واشنطن والكيان الصهيونى وانضمامه الى روسيا واعلانه فى هذا الخطاب النارى أمام الحضور والعالم الذى يشاهده ويسمعه ، ظن أنه أصبح زعيما اسلاميا يقود العالمين العربى والأسلامى مثلما كانت أجداده فى الماضى ، ما قاله وما نوه عنه فى خطابه التاريخى كما عنونه هو ، لايرقى بمستوى الصاعقة التى فجرها ترامب بما يسمى ( صفقة القرن ) هى صفقة القرن فعلا اذا ظل عباس يرقص غلى السلم ولم يستبعد من الساحة ، وهى كذلك اذ لم تكبح هؤلاء الحكام المنبطحين على بطونهم خوفا من الولايات المتحدة التى هزمت وهزم حلفاؤها فى سوريا والعراق واليمن ولبنان وليبيا ، هم يريدون البقاء على عروشهم تحميهم واشنطن والصهيونية العالمية مقابل العطاء السخى الذى لم يحدث مثيلا له على مر التاريخ ، ان سلمان وابنه يبذلون الغالى والنفيس من أجل زعامة العالمين العربى والأسلامى، وكذلك اردغان الذى تلتهب كلماته وحروفه من أجل اشتعال النار كمنظر ليس  الا ، وتعبيراته الخالية من دق الطبول ، عبارات جوفاء خالية من الأصرار والحزم وذلك بأن القدس خط أحمر بالنسبة لتركيا ، ومن يقترب منه ، سيكون فى ذلك مالا يحمد عقباه .
اذن لا عباس ولا اردوغان ولا الجامعة العربية ولا حكام العرب المسماه بالمعتدلين ، انصفوا القدس بكلمة حارقة خارقة ، أو بفعل تقلب به الطاولة على رأس الصهيوأمريكية التى خططت لابتلاع كل الأراضى الفلسطينية ، وتقديم أوطان بديلة للفلسطينين الذى يمثلهم عباس رئيسا للسلطة .
واضح من هذا السرد الذى نوضح فيه المسار الفعلى للقرار الأمريكى المجحف للفلسطينين أولا وللعرب والمسلمين ثانيا ، أن الشعوب وليست الحكام هم أصحاب القرار ، فالشعب الفلسطينى بكل أطيافه قام ولم يقعد عن بكرة أبيه ، والمفروض ان يستمر فى النضال بلا توقف حتى التحرير أو الموت ، فالواضح من وراء هذا القرار هو عدم وجود أى تسوية مستقبلية تنصف الفلسطينين ، ليس أمامهم الا الأستمرار فى النضال ، أو قبولهم بالوطن البديل المعلن عنه بسيناء المصرية ، أو ابتلاع جزء من الأردن فى شكل فيدرالية ، أو قبول العرض الذى قدمه محمد بن سلمان  ،على عباس بأن يتخذ من أباديس على البحر الأبيض المتوسط كعاصمة بديلة عن القدس ويقيم الدولة فى صحراء النقب ، لكن رئيس السلطة تريس فى الرد على الأمير وطلب منه ترك فرصة له للتفكير ، وهذا دليل آخر على تخاذل عباس ورضوخه بعد ان هدده بن سلمان بتقديم استقالته فى حالة عدم قبوله لهذا العرض ، هكذا يفكر كل من عباس وملك شبه الجزيرة العربية من اجل ارضاء سيدنا ومولانا "ترامب" . 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق