مَنْ لـ تنّوركِ الطينيّ؟!/ كريم عبدالله

( مهداة الى الصديق جون هنري سميث .. مع المحبة )

خمسونَ خريفاً قاحلاً تناهبتْ أيامهُا حروبٌ تشظِّي براءةَ الأحلامِ وأنا أنا متقرفصٌ لِصقَ تنّوركِ الطينيِّ عينٌ ترمقُ وجهَكِ تلفحُهُ حرارةُ الحطبِ اليابسِ تنبعثُ مِنْ أعماقهِ وعينٌ تتشهَّى خبزةً ( مـﮕسبة )* للتوِ خرجتْ تستريحُ على ( طبـﮓ )* الخوصِ الملوَّنِ أتدفُّأُ بـ قضمها , ما لعيوني للآنَ تدمعُ أهي رائحةُ الدخانِ حينَ تهبُّ الريحُ تحرّكُ ثوبَكِ الوحيدَ الأسودَ أم الحنينُ المتجذِّرُ كـ جذورِ شجرةِ صفصافتنا الهرمةِ عرّتْ قسوةُ الشِّتاءِ أغصانَها العاليَةَ ؟!. ما لـ خبزِ الحديدِ* لا يحملُ طعمَ خبزكِ مفجوعاً يحرقهُ الغازُ وأيادٍ لا تجيدُ مداعبتهُ حينَ يستغيثُ متمرّمراً دونَ مجيبٍ ، وصرخاتهُ تخفتُ شيئاً فشيئاً أكثرُ صمتاً، يفقدُ غبطتهُ يزدانُ بـ الاسودادِ والَّلعناتِ بدلَ الحبِّ ونضوجِ السَّعادةِ . ؟! . ما لهذهِ النيرانِ أكثرُ قسوةٍ مِنْ نيرانكِ يا أشواكَ مدينَتِنا البعيدةَ تصهرُ الروحَ وأنتِ تفاجيئنها وتحتطبينها كلَّ قيلولةٍ تأكلُ جذورَها فأسُكِ البدائيّةُ تكوّمينها كي أستظلَّ بها وأنتِ رشيقةٌ ضرباتُكِ الحنونةُ وغناؤكِ الشجِيَّ يملأانِ ذاكَ الأفقَ الفسيحَ . ؟! . حتى الشايُّ ما عادَ يدندنُ في ( منقلةِ )* الفحمِ ننتظرهُ فرحينَ كـ أفراخِ العصفورِ السَّاكنَ في مزاريبِ البيتِ ينتظرُ فتاتَ الطعامِ تزاحمهُ قطَّتُنَا البيضاءُ كلّ ليلةٍ كانت تنامُ بيننا على بقيّةِ السَّمكِ المشويِّ بلا طعمٍ يدعونا إليهِ دونَ ندمٍ نروِّي بهِ ترابَ زقاقنا المهجورَ دوماً . آآآآآآآآآآآآآآهٍ يا رجعَ الذكرياتِ مضتْ أيامي عجولةً وأنا طفلكِ المدلّلُ ، للآنَ لمْ يحنْ موعد فطامهُ يحلمُ أنْ يضعَ رأسَهُ الأشيبَ في حجركِ ، تداعبُ أناملكِ الحنونةُ صلعَتهُ الزاحفةَ يشمُّ رائحةَ الحنّاءَ فيها يغفو بينما القرنفلُ يطردُ تعبَ السنينَ حينَ يستغشي ( شيلتكِ )* البيضاءَ بعثرتنا الأيامُ وتنمّلتْ صباحاتي شكوكاً ودواماتٍ واكبتْ طريقي إليكِ، كابيةٌ بهجتي أبحثُ عنْ ملاذٍ أملأهُ وحدتي لعَلَّ المنافي تأخذني إلى حضنكِ مِنْ جديدٍ . *.
 مـﮕسبةٌ : الخبزُ الناضجُ  مقرمش .

  * طبـﮓ : اناء واسعٌ يصنعُ من نباتِ الحلفةِ وخوصِ النخيلِ . *منقلةِ : أداة تصنع من الحديدَ يوضعُ فيها الفحمُ أو الخشبُ تستخدمُ للتدفأةِ وكثيرا ما يوضع إبريقُ الشايِّ فيها لصنعِ شايٍّ لذيذٍ

* شيلهْ : ما تضعه المرأةُ على رأسها كغطاءٍ يقابلهُ الآنَ الحجابُ .

بغداد / العراق

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق