قراءة في العدوان الأمريكي على قاعدة الشعيرات/ راسم عبيدات

في القراءة للعدوان الأمريكي المباشر على قاعدة الشعيرات الجوية في  جنوب شرق حمص،يجب ان ننطلق من قراءة وتحليل علمي للأمور، ومن السذاجة القول بان الرئيس الأمريكي ترامب" القادم من صلب الكارتيلات الريعية للرأسمالية المتوحشة،قد هاله وروعه وأثرت فيه المناظر والصور المقشعرة للأبدان للأطفال السورين قتلى المواد الكيماوية في ريف ادلب "خان شيخون" تلك المسرحية التي جرى إخراجها،بتناغم وتحريض كبيرين بين كل اقطاب قوى العدوان على سوريا من واشنطن مروراً بلندن وباريس وانقرة وتل ابيب وانتهاءاً بالرياض والدوحة،وبان مشاعره الإنسانية تحركت فجاة،ونحن نعرف جيدا تاريخ هذه الدولة الإمبريالية ومن يدور في فلكها من قوى إستعمارية غربية وبالذات فرنسا وبريطانيا،وهي سيدة الإجرام والقتل والتعدي على كل ما هو انساني،وهي لا تقيم وزناً للمشاعر الإنسانية ولا حياة البشر،عندما يتعلق الأمر بمصالحها وجشعها ونهمها،ولعل  ما ارتكبته تلك القوى الإستعمارية من جرائم  بحق أطفال العراق وليبيا واليمن وسوريا وفلسطين،بالأصالة والوكالة خير شاهد ودليل،وقد ثبت بالملموس ان الحجج للقتل والتدمير في تلك البلدان،كانت مرتبطة بالمصالح والنفط وتجارة السلاح ونهب الخيرات والثروات العربية،وليس لها علاقة من قريب أو بعيد بحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية،بل هي حجج وذرائع تستخدم للضحك"على ذقون" أنظمة عربية متهالكة  مغرقة في الفساد والقمع والعمالة،فاقدة لقرارها السياسي والسيطرة على ثرواتها،وغير قادرة للدفاع عن امنها القومي،وهذا الترامب  المجرم لم تجف دماء أطفال الموصل عن يديه،ولذلك لا مشاعر إنسانية لديه،ولا يهمه أطفال كل الوطن العربي،بقدر ما يهمه النفط والغاز ونهب الخيرات والثروات العربية،وبيع السلاح وتنشيط الكارتيلات العسكرية،لكي تبيع سلاحها لأنظمة فاسدة ومتعفنة،تضخ هذا السلاح للجماعات الإرهابية،لكي تمارس القتل والتدمير والتخريب على طول ساحات الوطن العربي من اليمن حتى الضاحية الجنوبية.
ساذج من يعتقد بأن قرار ضرب قاعدة الشعيرات الجوية في جنوب شرق حمص،كانت نقطة تحولها هي قصة كيماوي "خان شيخون" فقرار ضرب سوريا متخذ مسبقاً،حيث أن غزوة ريف دمشق وحماة  التي قادتها القوى الإرهابية "جبهة النصرة" و"احرار الشام" قد فشلت وعمقت من أزمة تلك الجماعات الإرهابية،والتي أخذت في التفكك والإنهيارات تحت وطأة ضربات الجيش السوري والقوى الرديفة،وما يحققه الجيش السوري من انتصارات،يعني بأن المشروع المعادي على سوريا بكل مكوناته ومركباته والقوى الدولية والإقليمية  والعربية التي تقف خلفه قد فشل،وبأن ما يحدث في الميدان هو الذي يقرر نتائج التفاوض في جنيف،وهذا النتائج باتت محسومة لسوريا وحلفائها من محور المقاومة،ولذلك التحول في اللغة الشعارية لترامب ومندوبته في الأمم المتحدة على الصعيد اللفظي الذي سبق العدوان على قاعدة الشعيرات بثلاثة أيام،بأن مصير الرئيس الأسد يقرره الشعب السوري على المدى الطويل، لا يعني بالمطلق بأن الإدارة الأمريكية قد تخلت عن نهجها وخيارها العدواني  تجاه سوريا والأمة العربية،وهي لن تسلم بسهولة بهزيمة مشروعها في سوريا،ولذلك مسألة رأس النظام،رغم كونها مهمة فالنظام يعبر عن هوية الدولة،واحد رموز عزتها وكرامتها،إلا ان ما هو اكثر جوهرية واهمية لأمريكا والجوقة السائرة خلفها أوروبية غربية استعمارية وإقليمية،السلاجقة العثمانيون ومشيخات النفط والبترودولار الخليجية (السعودية وقطر) و"إسرائيل"، مجموعة من الأهداف يجب تحقيقها إرتباطاً بهذا المشروع والعدوان،فالمشروع الذي يستهدف سوريا والمنطقة العربية القائم على التفكيك والتقسيم والتجزءة والتذرير واعادة التركيب للجغرافيا السورية والعربية على أسس مذهبية طائفية قائم ومستمر،وكذلك هي الأطماع التركية أتباع الخلافة المرضى في انقرة في الجغرافيتين السورية والعراقية مستمرة،وأيضاً اسرائيل جزء كبير من هذا المشروع اتى لحماية امنها ووجودها،والمشيخات الخليجية النفطية المتهالكة لحماية انظمتها هي من تتولى دفع تكاليف هذا المشروع مالياً وضخ الإحتياط البشري الإرهابي للداخل السوري،ولذلك الغارة الأمريكية العسكرية المباشرة،والتي اتت بعد عجز الأدوات والقوى الإقليمية والعربية واسرائيل عن تحقيق الأهداف،كان لا بد من تدخل امريكي مباشر.
العدوان  البربري والوحشي بصواريخ "توماهوك" على قاعدة شعيرات الجوية في جنوب شرق حمص،والذي جرى خارج إطار الأمم المتحدة، لم يكن وليد الصدفة،بل جرى اختيار الهدف بدقة وعناية،وبقرار امريكي- إسرائيلي مشترك،يذكر بالعدوان الأمريكي- الأطلسي على العراق،فالعراق الذي تجرأ بالهجوم بالصواريخ على "جوهرة " الإستعمار في المنطقة "إسرائيل" يجب أن يعاقب ويدمر،وكذلك القاعدة الجوية السورية التي إنطلقت منها الصواريخ السورية لتتصدى لطائرات العدوان الصهيوني،يجب أن تعاقب وتدمر،ولذلك قرار العدوان والتنفيذ تم بموافقة امريكية- إسرائيلية وتشاور واعلام بريطانيا وفرنسا ومشيخات السعودية وقطر وتركيا،لكي تكون كل قوى العدوان حاضرة ومشاركة وداعمه ومؤيدة لهذا العدوان،حيث رأينا بأن تلك الجوقة الممثلة لقوى العدوان على سوريا والمشروع القومي العربي،مباشرة بعد عمليات القصف الأمريكي سارعت الى دعم وتأييد هذا العدوان البربري والتنظير لمبررات القيام به،والتحريض على النظام السوري بأنه "قاتل أطفال"،وكل مكونات هذا العدوان من القتلة والمجرمين لأطفال اليمن والعراق وليبيا وسوريا وفلسطين.

الصواريخ التوماهوك الترامبية أل 59 التي أطلقت على سوريا ،وفشل أكثر من ثلثيها في إصابة القاعدة الجوية السورية لأسباب مازلنا نجلها حتى اللحظة، حملت العديد من الرسائل وفي أكثر من اتجاه،فهناك رسالة مهمة جداً للداخل الأمريكي، حيث تعصف بإدارة ترامب  بعد وصله للحكم،قرارته المربكة والمتخبطه وغير المنضبطه أدت  مع فريقه  الى الكثير من الخلافات والإنقسامات،والتي دفعت بالعديد منهم لتقديم استقالاتهم،ولذلك هو شخصياً والفريق والدائرة المحيطة به معنيين بمثل هذه العملية،فهي في الجانب الإستعراضي تظهر أمريكا بانها قوية،وهي لن تترك الميدان لروسيا لكي تقرر به وحدها دون مراعاة لمصالح أمريكا وحلفائها  في سوريا والمنطقة وكذلك ترامب وإدارته  متهمين بالعلاقات مع موسكو،وهي التي ساعدت بفوزه في الانتخابات،ولذلك هو معني بتغيير هذه الصورة،والقول بانه يواجه التطلعات الروسية في المنطقة من الأرض السورية ،والرسالة الثانية  هي انه يريد أن ينقذ المجموعات الإرهابية من الهزيمة والإحتثاث،نومحاولة التأثير على الواقع الميداني،بما يحسن من وضع تلك الجماعات الإرهابية ميدانياً،ويعدل في ميزان ،ويقول لروسيا بأن الحل السياسي لا يسير وفق الإيقاع والمصالح الروسية ومحورها فقط ، وهو كذلك يريد دغدغة عواطف حلفائه من اتراك ومشيخات خليجية عربية لإيجاد ما يسمى بالمنطقة العازلة او الامنة،وبأن إدارته ليست ضعيفة كما هو حال إدارة أوباما السابقة ،وكذلك هو يريد كتاجر يعمل وفق المصالح،ان "يستحلب" اكبر قدر من المال الخليجي السعودي والقطري، وهدف مركزي أخر يريد أن يوفر الأمن والحماية لإسرائيل،بحيث يتم في أي تسوية سياسية للقضية السورية،ضمان عدم تواجد قوات إيرانية او لحزب الله في المنطقة المتاخمة لحدود الجولان المحتلة،والهدف الأخر المتصل بالمصالح الأمريكية هو السيطرة على المنطقة الشرقية من سوريا في الرقة بالتعاون مع قوى حليفة لها ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية،بحيث تسيطر أمريكا على النفط والغاز،على أن تشكل القوات الموالية لها حائط سد وفصل ما بين العراق وايران وما بين ايران وسوريا،أي منع أي تواصل جغرافي بين ايران وسوريا والعراق،على ان يتم إبقاء "داعش" في دير الزور السورية ومنطقة الأنبار العراقية،كي يستفاد منها في إطالة امد الأزمة والحرب على سوريا من أجل إنهاكها عسكرياً واقتصادياً وتحويلها الي كيانات اجتماعية مقسمة هشة وضعيفة.
الضربة العسكرية الامريكية لسوريا هي ضربة محدودة لكنها ضربة لها رمزية كبيرة، فهي تشير ان الولايات المتحدة باتت حاضرة و راغبة بالتدخل على الارض في سوريا.
الآن المعادلة واضحة،ولم تعد ورقة التوت تخفي عورات البعض العربي،وهذا العدوان البربري كشف عمن يقف في خندق العدوان،وعمن يقف في خندق المواجهة بشكل واضح لا لبس فيه،وهذا الفرز يعني بأن هناك حلف "ناتو" عربي إسلامي أمريكي  إسرائيلي  قيد التشكل العلني،ولذلك نحن نقول كعرب مقاومين وشرفاء واحرار نحن  مع سورية، ومع شعبها بكل فئاته ومشاربه ومذاهبة واعراقه دون تفريق، وضد هذا العدوان.. تماما مثلما وقفنا ضد العدوان على العراق وليبيا واليمن، ولن نغير ولن نبدل.. والحياة وقفة عز.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق