اللقاء التاريخي الأزرق/ د. لبنى لطيف

وقف اليوم الأربعاء، و هو في أوج صراعاته مع مخابرات بلده و تراشق الاتهامات و النعوت بينهما ، رئيس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب رفقة زوجته ميلانيا عند باب البيت الأبيض في استقبال رئيس وزراء الكيان اليهودي المحتل بنيامين نتنياهو مع زوجته ، في يوم حمل الكثير من التكهنات حول ما سيدور بين الاثنين و ما سيسفر عليه اللقاء ، غير أن اللقاء في أوله عند باب الاستقبال قد أوحى إلينا بمؤشرات تؤيد صحة بعض التكهنات التي أجزمت أن مشروع " حل الدولتين " بعيد المنال في ضَل السياسة الخارجية الترامبية . 
فمن المثير للانتباه ، أن الرجلان على درجة عالية من التواصل الإنساني عبر لغة الجسد ، اذ يرتدي نتنياهو في يوم مميز كهذا ربطة عنق زرقاء فاتحة اللون تعكس علم دولته الإسرائيلية ، فيبادله الطرف الآخر دونالد ترامب نفس الفكرة و المشاعر و المعنى المشترك ليضع هو الآخر على عنقه ربطة زرقاء فاتحة ، في دلالة واضحة على أن ما جاء من أجله نتنياهو سيلقى القبول و المساندة و اللين . 
إلا أن وقفة ترامب مع زوجته لفترة عند مدخل البيت الأبيض في انتظار وصول سيارة نتنياهو و زوجته يثير هو أيضا الانتباه ، حيث لا يفصلنا سوى أسبوع فقط على حادثة شبيهة بحدث اليوم ، و هي زيارة نتنياهو لبريطانيا ، بربطة عنق زرقاء ( طبعا ) ، إلا أنه هناك لم يحض باستقبال محترم كهذا حيث لم يجد أحدا في استقباله و اضطر الى الوقوف لبعض من الوقت أمام مدخل رئاسة الوزراء البريطانية الى حين تم فتح الباب له .. و اليوم ، يعزم ترامب على رد الاعتبار لنتنياهو فيخصه باستقبال لطيف للغاية . 
هكذا دخل  نتنياهو الى البيت الأبيض ، فشكل مع شريكته زوجا شرقيا ساطع الملامح الأوسطية ، في مقابل الزوج الآخر ، و اللذان كانا باديا عليهما ثقافة الغرب الأطلنطية ، فمن طريقة المصافحة و السلام و الترحيب اتضح جليا على نتنياهو و زوجته ثقافة المشرق من حميمية المصافحة و التقبيل و حرارة أول اتصال مرتبطة بشيء من قلة الثقة و الارتباك ، مقابل برود و رسمية الزوج الآخر التي تنم عن ثقافة الغرب . 
 و ماذا بعد ذلك ؟ !
إن اجتماع ( ترامب-نتنياهو) جاء من أجل مناقشة مطالب الكيان اليهودي في المنطقة و السعي قدما نحو تجسيدها بعيدا عن أجندة الدبلوماسية العالمية التي أعلنت في وقت سابق إجماعا دوليا على حل الدولتين ، بيد أن هذا الاجماع الدولي لم يرق لنتنياهو البتة ، فباغت و داهن حتى أبان عن نواياه المبطنة في رفض حل الدولتين ، و وافق ذلك نزعة ترامب المشاكلة له في بحث السلام في المنطقة و لكن بعيون يهودية .. و حل الدولتين معناه أن يكون على أرض فلسطين التاريخية دولتين واحدة فلسطينية منزوعة السلاح و الأخرى إسرائيلية . 
و من دون أدنى شك ، قد شهد تواجد نتنياهو بالبيت الأبيض لقاء حميما مع مستشار البيت الأبيض في شؤون الشرق الأوسط الشاب اليهودي " جيراد كوشنر " و هو زوج ابنة ترامب الكبرى ايفانكا ، الذي نزع مئزَر رجل الاعمال و المال ليرتدي عباءة الدبلومسي للبحث في حلول لمشاكل الشرق الأوسط لاسيما المشكل الأول و هو الصراع العربي - الاسرائيلي .فهل سنشهد حل الدولة الواحدة ؟! ..أم حل الدولة و الربع دولة !؟ ..أم سيكون هناك حل آخر يتم من خلاله الزج بإحدى الدولتين نحو تجسيد " حل الدولة الافتراضية " كحل للنزاع ، خاصة و نحن نعيش اليوم عوالم افتراضية متغلغلة في عالم واقعي بائس ! 
كل هذا يحدث ، في الوقت الذي يدندن فيه من الجهة المقابلة وزير بلا حقيبة في حكومة نتنياهو بخبر تسليم مصر أرض سيناء للفلسطينيين ، بيد أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد خرج سابقا مصرحا و مفندا لهذا الخبر زاعما أن ذلك كان مشروعا بين يدي حكم الاخوان المسلمين في السابق و انتهى ، و أن ما تروجه وسائل الاعلام الإسرائيلية لهو ضرب من الكذب و الافتراء ، الا أن حكومة نتنياهو عادت لتردد نفس الكلام عبر هذا الوزير المدعو  أيوب قرا ، فيصبح بذلك اجتماع ترامب - نتنياهو واضح المعالم إذ يفكر الرجلان في طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية نحو الغرب أين يتواجد قطاع غزة و حيث الحدود المصرية و أرض سيناء ، ليخلو الشرق جهة الاْردن لليهود ، و هذا بيت القصيد .. حينها ستقع القدس كاملة في يد هؤلاء و هي المطمع الكبير المراد الوصول اليه من خلال رفض حل الدولتين و المراوغة لكسب بديل آخر يمكنهم من الاستيلاء على المسجد الأقصى ... لننتهي الى القول أننا أمام مشروع الدولة اليهودية و ليس الدولة الإسرائيلية ، و بين هذه و تلك بون واضح . 


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق