تاريخ الادب السرياني 3/ نزار حنا الديراني

اتحاد الادباء والكتاب السريان
الحلقة الثالثة 
 المدارس والمكتبات السريانية

اذا كانت الامة السريانية من بين الامم الراقية التي قدمت للحضارة البشرية انجازا رائعا الا وهو فن الكتابة بالابجدية فمن الطبيعي جدا ان يؤسس هذا الشعب العديد من المدارس في كل رقعة تواجد فيها ومنذ البداية ، مما جعله ان يكون في طليعة شعوب الشرق بالثقافة والبلاغة ، لقد ازدهر الفكر السرياني بفضل هذه المدارس التي فاق عددها في القرن الخامس الخمسين مدرسة   تدرس فيها العلوم بالسريانية واليونانية ، وكان اسلوب العمل في هذه المدارس (الاديرة) جماعي ، ففي ردهات الدير كان الرهبان يجتمعون في حلقات بحث للدراسة يحاولون فيها حل المسائل الصعبة والغامضة وكان رهبان الدير يتداولون خبراتهم ضمن حلقات يتداولون فيهاالاراء حول مسألة ما .. وكانوا يساعدون المترجم او المؤلف في كثير من الامور كتهيئة المادة المراد ترجمتها او تاليفها وكانوا النساخ يساعدونه في النسخ وهذا ما اكده حنين بن اسحاق في كتابه تراجم جالينوس العربية والسريانية قائلا :
( كما تعود اخواننا (يقصد السريان) في هذه الايام من اجتماعات يعقدونها في المعاهد التدريسية المعروفة بالاسكل (سكول) ليبحثوا موضوعا معينا في أحد كتب السلف ..)
كما يؤكد ذلك ايضا سرجيس الرهاوي (توفي عام 766) في تعليق له في مقدمة كتابه المترجم لمؤلفه ديونيسيوس الاريوفاغي حيث اشار  : لم يجد له مسعفا في عمله لا من حيث اللغة ولا من حيث النسخ ولكنه بعون الله وعنايته نهض وحده بهذه الاعباء فترجم المتن وفسره . ثم سطر على الالواح ثم نقله الى الاوراق .. كان ذلك (العمل الجماعي) عاملا في اخراج المؤلف (او المترجم) بحلته الجميلة وجودته. ناهيك عما انجبته هذه المدارس بعملها الجماعي الكثير من العلماء والادباء الذين ذاع صيتهم شرقا وغربا ، وكانت الارستقراطية العربية   تدعوا معلمين من السريان لتعليم اولادها واخرون يتلقون العلوم في هذه المدارس منهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، وجاء عن خالد بن الوليد  انه في مسيرة من عين تمر وجد في بيعة من قراها اسمها النقيرة صبيانا يتعلمون الكتابة وكان فيهم حمران مولى عثمان بن عفان .. وكانت كل كنيسة أو دير مدرسة ومكتبة بحد ذاتها وكل مكتبة كانت تحوي المئات من المخطوطات ، كما الحال في مكتبة دير والدة الله في وادي النطرون في مصر حيث كانت تحوي زهاء ثلاثمائة مخطوطة سريانية قديمة على رق غزال يرتقي عهد بعضها الى القرن الخامس والسادس    ومن ابرز هذه المدارس :
1-مدرسة قطيسفون (المدائن) : تاتي في مقدمة المدارس السريانية الشهيرة ، فيها نشأ ططيانس ـ مؤلف كتاب الدياطسرون ـ (القرن الثاني الميلادي) 
2- مدرسة مار ماري : تاسست سنة 182 في دير قني وسميت ايضا باسم مؤسسها ماري ، تقع في منطقة العزيزية ومن اشهر اساتذتها وطلابها العالم المنطقي ابو بشر متي . والجاثليق اسرائيل الاول (المتوفي سنة 962م) حيث كان اديبا وخطيبا وقد اكرمه الخليفة المطيع بالله لعلمه ومناقبه الجمة   .
2- مدرسة الرها : انشأها ملوك الرها في القرن الثاني الميلادي وازدهرت ازدهارا رائعا منذ نشاتها ، تخرج ونبغ فيها عدد كبير من الاساتذة منهم برديصان (154-222) واسونا مبتكر الوزن العشري في الشعر ، وكانت تدرس اليونانية كلغة ثانية الى جنب السريانية . ترجم اساتذتها العديد من المؤلفات اليونانية الى السريانية كشروح ثيودورس المصيصي حيث يؤكد عبديشوع الصوباوي في كتابه فهرس المؤلفين ان كتب ثيودورس البالغ عددها 31 مجلدا قد ترجمت جميعها الى السريانية منذ اوائل القرن الخامس وكتب قورلس الاسكندري وخطابات سويريوس الانطاكي ومنطق ارسطو . تولى رئاستها في القرن الرابع القديس مار افرام الذي رفع من شانها منذ منتصف القرن الرابع حتى نهاية القرن الخامس الميلادي ثم خلفه يهيبا (457م) . اغلقها الامبراطور الروماني زينون .
3-  مدرسة نصيبين : اسسها شمعون الجرمقي ، اشتهرت في القرن الرابع ثم تضاءل نفوذها بعد سنة 363م لدى استيلاء الفرس على المدينة . ثم اشتهرت من جديد بفضل هجرة مدرسي مدرسة الرها اليها بعد غلقها وخصوصا الملفان نرساي الذي اعاد مجدهاا بعد منتصف القرن الخامس وواصلت نشاطها زمنا طويلا وحتى القرن السابع ، قيل ان عدد طلبتها قد وصل في بعض الاحيان 800 طالب ، وفيها نبغ مار يعقوب الكبير (338م) وخلفاؤه في كرسي نصيبين ، فيها علم نرساي (507م) وباباي الكبير (627م) وابراهيم الذي ادارها مدة 60 سنة وحنانا الحديابي وغيرهم من مشاهير الاساتذة .
4-  مدرسة جنديسابور : تاسست في القرن الخامس في منطقة الاهواز وسرعان ما ازدهرت واصبحت جامعة حقيقية يقصدها طلاب العلم في كل صوب ، وامتازت بالطب ، تخرج منها معظم الاطباء الذين اشتهروا في العهد العباسي الاول بمعالجة الخلفاءء والامراء في بغداد.
5-  مدرسة دير قرتمين : تاسست سنة 397 في طور عابدين ـ شرقي مديات ـ على يد مار جبرائيل القسطني . واشتهر رهبانها خصوصا بصنع الرقوق وتهيئتها لنسخ الكتب ، تفننوا بتجويد الخطوط وتجديد الكتابة السطرنجيلية على يد رئيسهم المطران يوحناا عام 988م ، وقد نسخ عمانوئيل ابن اخي المطران يوحنا على رق الغزال سبعين مجلدا من الكتاب المقدس طبقا للترجمة البسيطة والسبعينية والحرقلية ووقفها لدير قرتمين   . ظل هذا الدير مركزا علميا زاهرا حتى القرن الثاني عشر واشتهر من هذا الدير علماء عديدون منهم ثيودورس البطريرك (887-895) الذي برع في الطب.
6-  مدرسة دير مار متي : الواقع بالقرب من الموصل انشئ هذا الدير في اواخر القرن الرابع وظل مزدهرا حتى اواخر القرن   الثالث عشر .
7-  مدرسة رأس العين (رشعينا ) : كانت تقع على ضفة نهر الخابور في سورية بالقرب من قرية المجدل (بين راس العين والحسكة ) اشتهرت في العصر الذهبي ، تفرد اساتذتها بضبط حركات الفاظ الكتاب المقدس وتجويد قراءته ، من تلامذتها سرجيسس الراسعيني (توفي سنة 536م) يصفونه بامام عصره في الطب وعلم المنطق والفلسفة ، وهو من اوائل النقلة من اليونانية الى السريانية اشهرها مجاميع الاسكندرانيين وكتب ابقراط وجالينوس وكتب المنطق لارسطو .. . 
8-  مدرسة قنسرين : اسسها يوحنا برافتوريا (538م) في القرن السادس من اساتذتها البطريرك اثناسيوس الاول (توفي سنة631م) وتوما الحرقلي توفي سنة 677 ( الذي نقل عام 616 م العهد الجديد عن اليونانية الى السريانية ) والفيلسوف الكبيرر والفلكي سويرا سابوخت الذي على يده وصلت الارقام الهندية الى العرب .
9-  مدرسة دير برصوما : تقع هذه المدرسة في ملطية، ازدهرت في القرن الثامن وحتى القرن الثالث عشر فانجبت الكثير من العلماء منهم يعقوب بن الصليبي مطران امد (1171م) وثئودورس بر وهبون (1193م) وميخائيل الكبير(1200م) والعلامة ابنن العبري (1286م) . حوت مكتبة عامرة حفلت بالعديد من المخطوطات السطرنجيلية والصكوك والفرمانات القديمة  ، وخاصة نسخة بديعة من الانجيل نسخه البطريرك ميخائيل الكبير بحروف من الذهب والفضة وزينه بصور شتى ووضعه في صندوق فضي مذهب .
وهناك عشرات اخرى من المدارس امثال مدرسة دير البارد في اطراف ملطية (تاسست سنة 969 وظلت موطنا للتعليم حتى سنة 1243) ومدرسة انطاكيا ودير مار بسوس وتلعدا ( التي  انشئت في منتصف المائة الرابعة ودامت حتى اواخر القرن العاشر) ومدرسة دير الجب ومدرسة مرو في خراسان ومدرسة حران التي كانت حلقة وصل في نقل الطب والعلوم من الاسكندرية الى انطاكية في عهد عمر بن عبد العزيز وغيرها . وكانت كل مدرسة من هذه المدارس ، فضلا عن كونها مدرسة كانت مكتبة تحوي العديد من المخطوطات والمؤلفات ،


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق