دراسة لقصَّة الراعي الصَّغير وثياب العيد للأطفال للأديب الأستاذ نظير شمالي/ حاتم جوعية


مقدمة: الشاعرُ والباحثُ والأديبُ الكبير والمبدع الأستاذ " نظير شمالي " من سكان مدينة "عكا "-  فلسطين، عمل في سلكِ التعليم  مدة طويلة وخرج للتقاعد المبكر قبل فترة قصيرة.  يكتبُ في جميع المجالات والألوان الأدبية، وقد حقق شهرة وانتشارا كبيرا محليا وخارج البلاد.  أصدر العديدَ من الكتب  الأدبية والتراثية ودواوين الشعر، كما كتب  قصّتين للأطفال لجميع مراحل الطفولة .  وسبق  وأن  كتبتُ  دراسة مطولة  عن ديوانين شعريين له قبل عدة سنوات. وسأتناولُ في هذه المقالةِ قصة له للأطفال بعنوان: (الراعي الصغير وثياب العديد).
مدخل: تقعُ هذه القصة في 48 صفحة من القَطْعِ المتوسّط، وقد وضعت رسومات الكتاب  الداخلية  وصورتي  الغلاف على الوجهين  الفنانة  "منار نعيرات " ، والخطوط للخطّاط عبد الله العزة.. وجميع الحقوق محفوظة للمؤلف نظير شمالي. 
    يستهلُّ الكاتبُ القصة بأسلوب سردي، فيتحدثُ على لسان راعٍ صغير يروي   بشكل عفويٍّ وببراءةٍ عن واقع  ومجرى حياتهِ ووضع عائلتهِ الاقتصادي وقدوم العيد والضّائقة المالية التي كانوا يعانون منها  كالكثيرين من سكان القرى في مجتمعنا آنذاك قبل عشرات السنين عندما كان المجتمعُ الفلسطيني في الداخل  معظمهُ يحيا  ويعتاشُ من فلاحةِ الأرض  أو الرعاية عندما كانت هنالك أراض وحقول كثيرة  للفلاحةِ  ومساحات  شاسعة  من  الأراضي الوعريَّةِ للرعايةِ  قبل أن تصادرَ السلطةُ معظمَها .   فيقول الطفل الراعي: في وقت العصر(عصرا) وقبل أقل من أسبوع (تحديد دقيق للوقت والزمن) انه  قد التقى العديدَ من الأصدقاء الصبية  الرعاة  في المراعي   " الشراقى " - هذه الكلمة العامية  تستعملُ كثيرا في حياتنا اليومية - الواقعة في الجهة الشرقية من  قريتهم الهادئة الوادعة .   فكانت أغنامهم  وعجولهم الصغيرة ترعى الأعشاب الخضراء بالقرب منهم(من الأصدقاء المجتمعين). وكان (الحلال) يرعى مطمئنا، وأما الصغار (بطل القصة الراعي الصغير وأصدقاؤه)  فكانوا  يلعبون ألعابا  معروفة ومألوفة  للصغار آنذاك عندما لم يكن  يومها  أنترنيت  وفيسبوك  وبيلفونات  وتلفيزيونات ..وغيرها .  كانوا يلعبون "الغميضة"  و " العواتيل " ..وبعد أن تعبوا من اللعب  انطلقوا بسرعة ليتحلقوا حول نار كبيرة كان قد أوقدها أحدُ الأصدقاءِ واسمه (ظاهر العيُّوق)  لكي يشووا كمية من البطاطا  التي  أمدَّهم  وزوَّدهم  بها الشيخ " مبروك "   من محصول  حقله .   وكان هذا الشيخُ  كما  يعرفه الجميع  محسنا  كريما ورجلا طيبا معطاءً،  وقد تكفلَ بعدد من الصغار  من أيتام القرية لمساعدتهم . 
     ودار الحديثُ عندما تحلق الأولاد  الصغار الرعاة  حول النار في أمور وموضوعات عديدة، وأهمها  كان موضوع العيد الذي اقتربَ موعدُ حلولهِ  وقد صار على الأبواب .  وتحدَّثَ الأولادُ  أيضا  في مجلسهم المصغر  هذا عن ملابس العيد الجديدة  والمآكل  والأطعمة  الطيبة  اللذيذة  الدسمة التي  كانت  تحتلُّ  وتداعبُ  أخيلة أولئك الأطفال  وأنوفهم  قبل ألسنتهم  قبل حلول العيد المنتظر بوقت طويل .   ويقدمُ الكاتبُ لنا هنا  لوحة وصورة  واقعية  ملونة لوضع وحياة  القرى العربية قبل عشرات السنين(في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي )  وأجواء وعوالم الأطفال ، وخاصة عندما كان الوضعُ الاقتصادي صعبا نوعا ما. وهنالك الكثيرُ من العائلات آنذاك، في تلك الفترة، كانت تشتري الملابس لأطفالها أو اللحوم وغيرها من الأشياء  والحاجات الأخرى  من العيد إلى العيد ومن الحول للحول .  
         ويتابع الكاتبُ مجرى القصة على لسان الطفل فيقول: وقف "ظاهر العيُّوق"  داخل  الحلبة وقال  مفتخرا :  لقد  اشترت  لي أمي  بالأمس أجملَ الثياب واشترت لي حذاء بني اللون بلون حبات تمر العم " نمر العمروش " (  صفحة 7 ). ووقف صديقٌ آخر من الأطفال  واسمه " معروف الأسمر" وقال متباهيا ومتفاخرا  بما اشترى له  جدُّه للعيد  بصوت عالٍ وقوي :  لقد اشترى  لي  جدي  من المدينة  ملابس  جديدة زاهية  الألوان  وحذاء  رائعا لمَّاعا  ناصعَ البياض  بلون الحليب  ومسدَّسا أسود كالفحم  كبيرا لرشِّ الماء   .. فصفقَ  لهُ ولمسدسهِ جميعُ الصبيةِ المتحلقين  حول نارهم  .   وفجأة  قفز أحدُ الصبية  ( وهو ابن خالة بطل القصة  أسعد الذي تُروَى كلُّ هذه القصّة على لسانه )  وسأل الطفلَ  وبطل القصة أسعد  بصوت عال مجلجل ، وهو يحدق بعينيه  العسليتين  وفي نظراته حب الاستطلاع  والمعرفة: وأنتَ يا "أسعد " .. (وهنا يظهر فقط  وبشكل مفاجئ اسم بطل القصة الذي جاءت أحداث جميع فصولها على لسانه )  : ماذا اشتريتَ لهذا العيد؟ لقد فاجأ هذا السؤال ( سؤال عبد الله  ابن خالته )  بطلَ القصة أسعد ،  فكان  لهذا السؤال  وقع  الصاعقةِ  فوق كومةِ من التبن اليابس  -  على حد قول كاتب القصة -( تعبير بلاغي جميل ) .  فارتبك  كثيرا  وتملكه الخجل  والحيرة والغضب معا واحتارَ بماذا يجيبه..وفكرَ وحاول التملصَ والتخلصَ من الإجابةِ ، وهل  يتظاهر بأنه  لم يسمعه جيدا ، وتذكر  في الوقت ذاته  أشياء  مهمّة  وذهب بهِ تفكيرهُ  في تلك اللحظةِ  الحرجة إلى بيتهم  ولعائلته  وللذي قالتهُ  له  أمُّهُ  قبل أكثر من أسبوعين وهو: انهم  يمرُّون بظروف حرجة   وبضائقة  مادية صعبة جدا  وسنكتفي فقط  بشراء أحذية جديدة بمناسبة  هذا  العيد  للأبناء ، اما الملابس  فقد  يتدبرون أمرها  بارتداء أفضل الملابس التي عندهم  في البيت  .   عندها  تساقطت  دموعٌ  غزيرة  من عيني أسعد  متدافعة  هادرة،  وبكى بكاء مرًّا، ونظر إلى وجهِ أمِّهِ الشاحب مستعطفا قلقا، وقال لها بصوت حزين : أمي،  هل سنبقى وحدنا دون ملابس جديدة في هذا العيد؟! فابتسمت  له أمُّهُ  بصعوبة وأخفت خلفها بكاء مرًّا واحتضنتهُ بانفعال شديد  وهي تقبله  قبل أن تتساقط من عينيها  الدموع لتنزل على خدهِ،  فبكى الطفلُ أسعد لأمِّهِ  التي بكت  لبكائه  وبكى  لبكائها  ( كما جاء في القصة - وحسب تعبير الكاتب -  صفحة 15 ) . وقالت له أمه  بصوت متقطع : سَتُفْ.. ستفرَج .. ستفرج ، يا بُنيَّ .. ستفرج إن شاءَ الله !! .  وكتب الكاتُب كلمة ستفرج  بأحرف متقطعة في البداية وكررها عدة مرات ليظهرَ مدى الحزن  والالم والمرارة واللوعة والغصة  والوضع  الصعب  والمرير الذي  تمرُّ  به  هذه  العائلة  الوديعة، فخرجت الكلمةُ ( ستفرج )  من  فم  الأم  متقطعة، حيث غصَّت بها  من شدة الحزن والمرارة .  وحاول الابن ( أسعد )  أن يتوقف عن البكاء رأفة  بأمِّهِ المسكينة، ونجح  بعض الشيء، بعد عدة  محاولات جادَّة ،  وتماسكت  نفسُهُ  بشكل تدريجي ثم قال في نفسهِ :ما ذنب أمه المسكينة التي يحبُّها هو واخوته وتحبُّهم  كثيرا وتضحّي بدورها من أجل أبنائها كثيرا.. وما  ذنب  أبيه الذي يتعب ويكدُّ دائما  لأجل تأمين لقمة العيش  وكل ما  تحتاجه العائلة من طعام وملابس وكل ما يحتاجه هو وأخوته من حاجيات ولوازم للمدرسة الابتدائية الصغيرة التي  تمَّ افتتاحها في قريتهم الصغيرة قبل سنتين .  وكان حلم الأب أن يرى  أبناءه  كبارا متعلمين  وناجحين  في حياتهم  ليفخر بهم  أمام  جميع الناس  ( صفحة 17 ) . 
    ثمَّ  يعود  ويرجع  الصبي أسعد مرة  ثانية بفكره إلى عالمه  وواقعه، إلى حيث يتحلق الصبيان حول النار ويشوون حبَّات البطاطا . واضطرَّ ان يقولَ شيئا بعد تردُّد وحيرة لإسكات  كلام ابن خالته الملعون ( حسب تعبيره.. كما جاء في القصَّة) الذي أثارَ غضبَهُ وأحرجهُ أمام أصدقائهِ عن غير قصد منه.. وأيضا  من أجل  إسكات ورد جميع  العيون المتسائلة التي كانت  تنظر إليه في وقت واحد .  فقال : .. إن .. إن .. إن  شاء الله سترون في العيد !.. سترون سترون  في العيد!!  سوف ترون !  . ولقد كرر الكاتبُ كلمة ( إن ) ثلاث مرات.. وكلمة ( سترون في العيد ) مرتين مع علامتي استفهام بعد كلمة ( عيد )  للتوكيد ولإيضاح  وإظهار  الغضب والحدة  والاحتجاج  من  سؤال  ابن خالة أسعد أولا،  وليؤكد  للجميع  أيضا على صدقه  في الإجابة، لأن جملته فيها شك وعليها علامات استفهام ويريد أن يؤكد أنه بالفعل قريبا سيرى جميع الأصدقاء الهدية ولكي يسكت الألسنة والأعين  المتسائلة .  
  ويتابع أسعد حديثه ( كما يروي الكاتب في القصة ) : ثمَّ عدنا إلى استئناف لعبنا .. وهذا الذي أنقذه من ورطتهِ  وخفف من إحراجهِ  واضطرابه ، وذلك بعد أن التقط  كلُّ واحد من الأصدقاء  الصبية  لنفسِهِ  من وسط النار  بضع حبات  من  حبات البطاطا المشويَّة  التي كانت  ناضجة،   وكانوا يلتهمونها بشهيَّة كما يلتهمون شرائح اللحم اللذيذة (إشارة هنا في هذه الجملة إلى الفقر والعوز والوضع الاقتصادي الصعب - نوعا ما  -  الذي  كان  يسودُ  القرى والبلدان العربية  قبل عشرات السنين،  حيث لم  تكن معظم العائلات العربية    تأكل اللحوم  كل يوم  أو كل يومين وثلاثة أيام  كما هو الوضع الآن ، بل كل أسابيع وأشهر، والبعض مرتين أو ثلاث مرات  في السنة  أومن العيد  للعيد . 
     ويتابع الكاتبُ سردَهُ للقصةِ على لسان الطفل بطل القصة أسعد فيقول (صفحة 22):  واليوم وبعد مرور أكثر من أسبوعين  أعودُ من  المراعي  المعشوشبة الخضراء  ( يصفُ  الكاتبُ المراعي والسهول وصفا شاعريا جميلا فكأننا نراها بأمِّ أعيننا ونُفتتن ونهيمُ بسحرها وجمالها الخلاب).. إلى البيت  والقطيع  الصغير  في  ثغاء  مستمر  لا يكاد  ينقطع  وهو يتهادى أمامه في الطريق  الترابي عائدا إلى الحظائر عند المساء ..  وكم  هو  مشتاق إلى بيته الذي أحبَّه  كثيرا ..  وكم مشتاق إلى إخوتهِ  وأبيه  وامه  وجده وجدته  (يتحدَّث عن المحبّة  وجوّ  الوئام  والوداعة والبساطة  الذي  يسودُ  العائلة .. ( وهذا  ما  كان موجودا ومألوفا في جميع العائلات  آنذاك) ..وكم هو مشتاق إليهم .  ويمسح  أسعد  وجهَهُ  وجبينه المتصبب بالعرق بكمِّ  قميصهِ المتسخ ، ويقول :
  لا بدَّ أنَّ  أمي قد اشترت لي  قميصا  جديدا!!  ويتفحص  شبَّابتهُ  المصنوعة من القصب  البرِّي  ويرغوله  الصغير الذي  صنعه  ( أبو السعيد)  الرجل الطيب من القصب ومن القصب وشمع النحل حينما تعارفا على بعض لأول مرة  في  السنة  الماضية في " المراعي  الغرابى " ... وعلى أرض البيادر علمه العزف  ومن يومها وهو يعشقُ الفنَّ  الذي أسرَ قلبه وروحه  ولم يعد ينقطع  عنه يوما واحدا .   وقطيعه يتعشقُ كلَّ  لحن شجيٍّ من  أنغامه التي يطلقها  .   وتذكر أخوته الصغار وهو  راجع وعائد إلى البيت،  ولا بدّ أنهم  قد انتهوا من  لهوهم  في ظلِّ  السنديانة المعمَّرة  القريبة  من  البيت ..حيث يقيمون الأراجيحَ  ويوقدون النار في " الطابون "  الصغير ( صفحة 28 )  الذي بنوه  تحت شجرة  " الطرفا"  ويخبزون أرغفتهم الصغيرة فيه ، كما تفعل أمُّهُم  كلَّ أسبوع في طابونها الحقيقي . وتذكرَ أمَّهُ أيضا  وبالتأكيد هي  ستسرعُ اليه عندما يصل إلى البيت بعد  قليل  لتلتقط   سفرطاسَهُ " -  الوعاء  أو الإناء الذي يوضعُ فيه طعام المسافر أو العامل - الخاوي من الزاد  وتهيِّئ  وتحضِّر  له دلوا  من  الماء الساخن  وفلقة من صابون  الزيت  لكي يغتسل ، ثمَّ  يرتدي على سبيل  التجربة  ( بروفا ) ثيابَ العيد  الجديدة  التي وعدَته  أمُّهُ  بها ..  وسيتناولُ  بعدها  وجبة  العشاء المكوَّنة من الجبنة والبيض  وبعض حبَّات الزيتون المرصوص .. وبعدها  بقليل  يستولي  عليه النوم  من شدَّة التعب  بعد انقضاء يوم طويل ومضنٍ موزعا بين  مقاعد الدراسة والرَّعي في السهول والأراضي الوعرة ( يعطينا الكاتب هنا صورة مشرقة ومثالية للإنسان وللطفل الكادح والمثابر الذي يتعلم ويشتغل في الوقت ذاته.. يتعلَّم  في الساعات  الأولى  من  النهار، وبعدها  يذهب  للعمل  وللرعاية لمساعدة أهله وإخوته ونفسه اقتصاديا ساعات بعد الظهر بعد انتهاء الدوام الدراسي) . 
ويتابعُ  الطفلُ أسعد  حديثه عن  نفسِه  فيقول : كنتُ  في المراعي اليوم أداعب شبابتي تارة  ويرغولي تارة أخرى  وأعزف الألحان العذبة  تحت قبَّة سماء صافية الزرقة.. ورحتُ أعزف "الدلعونة"  ويا ظريف الطول  و " جفرا  يا هالربع "  و " يا غزيّل " ..  ويتصاعد من حوله رنينُ الأجراس الصغيرة  المتدليّة من أعناق أغنامهِ في أثناء تحريكها لرؤوسِها وهي تقضم العشب الأخضر  سعيدة  فرحة مرحة . ويقولُ أسعد : بالأمس قالت لي أمي : سأشتري لك في الغد ، يا أسعد ، حذاء جديدا  وثيابا جميلة   للعيد  تأخذ الأبصار!( علامة الدهشة والإعجاب ) .  ويقول أسعد : كدتُ أطيرُ من فرحي كدتُ اطير ! . وأضافت أمُّهُ  لأقوالها له : ( لقد  ادَّخرتُ أيضا بعض المال من بيع الحليب واللبن واللبنة  والجبن  وبيض الدَّجاج . وسألها أسعد: ألم تشتر أيضا ثيابا جديدة لاخوتي؟! فضحكت الأم  وأخبرتهُ  وهي تقبِّلهُ  وتحضنهُ  بكلتا  يديها : إنَّ أباهُ  سلمها  قبل  يومين  مبلغا  من  المال  لشراء الأحذية والملابس الجديدة لهم من أول راتب قد تقاضاه من عملهِ الجديد في شقِّ الطرق . وبعد الانتهاء من تذكر هذا المشهد الذي حدث قبل يوم والحوار الذي جرى بين أسعد وأمه  بدأ أسعد يحثّ القطيع على الإسراع  في  العودة إلى البيت ولأنَّ الشمسَ بدأت تقترب من الغروب  (ويعطي هنا وصفا  شاعريا جميلا عند الأصيل - ساعات الغروب  - صفحة 38). 
           ويقولُ اسعد : سيكون سروري عظيما عندما أنتعل نعليّ الأسودين اللماعين  وأرتدي ملابس العيد الجديدة الساحرة الألوان ..  وسيتسلّم ويأخذ من أبيه  بغبطة كبيرة "عيديَّة العيد " بعد أن يقبِّل يده  ويد أمه  ويدي جده وجدته  .. وبعدها  يسرع  وينطلق  ليجتمع  بأصدقائهِ  من  أطفال  القرية . ويكاد أن ينسى  تناول ما يستطيع  تناوله من الأطعمة الدسمة  الخاصّة التي تحضرها أمُّهُ بمناسبة حلول كل عيد .. هذا  بالإضافة  إلى ما تصنعه  جدتهُ  لأمهِ ، من البرازق والكعك  والمعمول  المرشوش  بالسكر الناعم ( أسماء حلويات شعبية مألوفة تصنع وتحضر دائما في البيوت العربية) .
   ويتابعُ أسعد حديثه :غدا سوف أرى أصدقائي في ساحة القرية  في  مراح الغزلان ( اسم مكان )..  وبالمناسبة هنالك الكثير من الأماكن  والمناطق في قرانا العربية تسمَّى بهذا الاسم  .   وكل  واحد  منهم  يعرض على الآخرين  هديته الخاصّة به  منتشيا فرحا متفاخرا سعيدا .   ويتسارع الصبية ليشتروا ما يحلو لهم من الحلوى والمكسرات، كالفستق الحلبي وفستق العبيد، والبندق والمسدسات الصغيرة مع ذخيرتها والبالونات الملونة  وغزل البنات  بألوانه الأبيض والوردي والأصفر من حانوت العم "راشد الغول" والذي كان أسعد يتهيَّب ويخاف  منه  قبل سنوات عندما  كان  يلمح من  بعيد  جسده الأسمر الضخم  وطوله  الفارع   وشاربيه  الكثين  الأشيبين  المعقوفين  إلى  أعلى كخنجرين حادين وهما يتراقصان إلى الجانبين عندما يتكلم . ( صفحة 42 )  .. ويقدم الكاتبُ هنا  صورة جميلة وطريفة ومضحكة تسلي وتضحك الأطفال الذين يقرؤون أو يستمعون للقصة  . 
   وأخيرا وبعد طول انتظار يصل أسعد للبيت .. لم ينتظر حتى يهدأ القطيع في حظيرته ،كما كان يفعل كل يوم عند عودته المسائيّة، بل أسرع إلى باب بيته وتطل  أمُّهُ  وهي تحمل بين  ذراعيها  أخاه  الصغير "مصطفى " وهو يحتضن بين يديه الصغيرتين  ثيابه الجديدة  وحذاءه  اللامع  الأبيض  بفرح وسعادة  وحبور. وتبتسمُ  الأم ابتسامة عريضة جعلته  ينسى كلَّ تعب اليوم  وشقائه  فيقول : إذن لقد اشترت لي أمي أخيرا كل شيء!!  فيبتسم لها وتبتسمُ له . . ويقول:  ضحكت.. قهقهتُ .. ويقول: أطلقت صرخة  ضاحكة  مدويَّة   اهتزت لها  هدأة  المساء الذي  تجلل بالسواد  ( على حدِّ تعبير الكاتب ) . 
     واندفع بكل قواه  وبسرعة الريح راكضا  إلى الداخل باحثا بشوق  شديد  وبجنون عن ثيابه الجديدة.. خطفها  ورفعها عاليا  في الفضاء  صارخا فرحا يلثمها مرات ومرات  ويركض في أنحاء البيت  ويركض ويركض ويدور . ويقول بينه وبين نفسه : إنه  لن ينامَ في تلك الليلة بعيدا عن ثيابه الجديدة،  لن يدعها بعيدة عنه ..  سيرتبها  بنفسه ( صفحة   46 )  سيُرتّبُهَا  بيديه متمهلا متأنيا  وسيضعها على الكرسي  الخشبي القديم الذي بجانب فراشهِ، وسيجعل حذاءه الجديد اللماع يغفو بأمان  تحت وسادته، وليطمئن هو أيضا في منامه  في هذه الليلة.
    ويقول : أجل ، سيكون نهار الغد  يوما رائعا.. بهيجا .. جميلا حلوا جدًّا كالسكر . ففي الغد  يوم العيد .. غدا هو أول أيام العيد !!
  وتنتهي القصة على هذا الشكل نهاية سعيدة  وشبه مفتوحة .
تحليلُ القصَّة: هذه القصَّة تعتبر ناجحة وإبداعية بكل المقاييس والمفاهيم النقديَّة والفنية.
 نسجت  وصيغت بأسلوب  أدبي  جميل  منمق سلس وعذب  وقريب إلى روح ولغة الشعر، وفيها الكثير من الجمل والتعابير والاستعارات البلاغية الجميلة والصور الشعرية  الخلابة المشعة والحالمة.   
        وتحوي هذه القصَّة في فصولها وطيَّاتها الكثير من المفاهيم  والأسس والجوانب المهمّة  والتي  يجب أن تتوفر في كل عمل  كتابي  وأدبي  سواء للاطفال أوالكبار،والقصة كما  يبدو بوضوح قد كتبت لجميع مراحل وأجيال    الطفولة، بيد أنها مناسبة أكثر لجيل الطفولة المتقدم فوق التسع سنوات .       تضم هذه القصة وتحوي في طياتها ومشاهدها وأحداثها العديد من العناصر والأبعاد المهمّة ، مثل :
1 - البعد الفني. 
2 – البعد الأدبي. 
3 – الجانب الترفيهي ( التسلية ) .
4– الجانب الإنساني. 
5– الجانب الاجتماعي  والأسري. 
6- الجانب الأخلاقي والتربوي .
7- الجانب الوطني .
8 – عنصر المفاجأة  .
9-  الجانب التراثي والعادات والتقاليد المألوفة  ونمط الحياة الذي كان سائدا  في أواسط القرن الماضي في قرانا وبلداتنا العربية الفلسطينية في الداخل .
   تتحدَّث هذه القصةُ  بإسهاب وبشكل غير مباشر -  كما  حاكتها وصاغتها ريشة  الكاتب الإبداعية -عن العلاقات والوشائج الوطيدة التي كانت  تسود قرانا العربية قبل عشرات السنين، وأجواء المحبة والوداعة والسلام والبراءة والسذاجة الصافية. وتتحدثُ القصة عن الأراضي والسهول والمراعي  الواسعة .. وأما اليوم  فقسم كبير جدا من هذه الأراضي العربية في جميع  القرى والمدن العربية  الفلسطينية  قد صودر ، ولم  تعد  هنالك  أراض  كافية  ليعتاش منها الفلاح والمواطن الفلسطيني في الداخل، ولم تعد هناك مراع وأراض مشاع  ووعور شاسعة لرعي المواشي والحلال.
      وباختصار يقدم لنا  الكاتب على لسان الصبي أسعد بطل القصة صورة ولوحة  جميلة  خلابة  لحياة  القرى العربية آنذاك. والقصة  كتبت  بأسلوب سردي على لسان بطل القصة ( أسعد ) ويتخللها  بعضُ الحوار الذي  يدورُ  بين شخصياتِ القصة ( ديالوج ) حيث  يبدأ  أسعد في  سرد قصته ودون مقدمات ( الكاتب هنا  يخرج عن النمط والطابع التقليدي) وبكلمة (عصرا) عندما  كان الطفلُ أسعد مع  أصدقائه الصبية  في المراعي .. وَيُحَدِّدُ  الجهة والمكان الذي  كانوا موجودين  فيه  بالضبط ( المراعي الشراقى )  وأوقدوا النار وشووا  حبات البطاطا  وأن  طعمها  لذيذ  كشرائح  اللحم  ( يشير إلى الوضع الاقتصادي والصعب والفقر والعوز  آنذاك، إذ لم تكن اللحوم متوفرة بأسعار رخيصة  ولا يمكن  تناولها كل  يوم  كما هو  الوضع  والحال الآن ، بل  في المناسبات البعيدة جدا ، وهنالك عائلات كانت من الحول للحول تأكل اللحوم . وهنالك قصة  حقيقية  تروى عن  شخص من  إحدى القرى لم  يشترِ أهله لحوما يوم العيد وقد اراد بدوره أن يُعيّدَ ويحتفل بالعيد،  فاضطُرَّ للتوجه إلى أحد المنازل  في  القرية  وكانت  تكثر  بين  الفجوات  وثقوب جدرانه الخارجية أعشاش طيور السنونو،  وهذه  الطيور ممنوع   ومحرم أكلها  ( ويقال : إنها طير الأبابيل . ويقال : إنَّ لحمَها مرٌّ  ولا يصلح للأكل) ..وأوقد وأشعل أعواد الحطب في  المنقل واختطف والتقط  طيور السنونو الصغيرة  من أعشاشها وقام  بشوائها  وأكلها  أمام العابرة  وجميع  الناس من  شدة  الفقر (وهذه الحادثة حقيقية جرت قبل اكثر من 60 سنة ) .                                                                          وفي القصة يتحدثُ الأطفالُ الأصدقاء كلٌّ بدوره عن ملابس العيد التي سيشتريها الأهل لهم عندما كانوا متحلقين  حول النار ويشوون  حبات البطاطا .. وأحد الأقرباء (  ابن خالة أسعد ) سأل أسعد ماذا  يشتري  له أهله من ملابس يوم العيد .. وقد أحرجهُ كثيرا .. وفي اللحظة  الحرجة ذاتها ( كما  يروي  كاتب القصة على لسان أسعد بطل القصة ) أنَّ  الفكر والخيال  ذهبَا  به للبعيد  وإلى  البيت ولحديثه  الدرامي  الشجيِّ  مع   أمه  وما  جرى بالتفصيل هناك. وينتقل الكاتبُ بهذا الأسلوب الرشيق والتقني وغير المباشر  من مشهد إلى مشهد ومن  موضوع  لموضوع  ومن  حالة  وظرف ووضع وزمان إلى  ظرف  ومكان آخر،  ويرجع  بعدها إلى واقعه  وجلسة  الأصدقاء  حول النار، ويجيب  الطفل  أسعد  بحكمة  واتزان  وبعقلانية على سؤال ابن خالته  الذي أحرجه  كثيرا وضايقه  وأغضبه عن غير  قصد  من سؤاله هذا  . وينتقل الكاتبُ بأسعد بطل القصة إلى حياته  العادية وللمراعي ولغنمه ثم  رجوعه للبيت .. يتحدث بشكل جميل وبريء  وفلسفي  نوعا  ما  عن الأغنام  والمراعي  والطبيعة  وجمالها  ونقائها  ولذة  ومتعة العيش في  أكنافها وأجوائها،  وعلاقات المودة  والصفاء مع  الأم  والأهل  ثم رجوعه للبيت بفرح  وسعادة  كبيرين  ليشاهد ويرى ما  اشترى  له  أهله ُ من ملابس  جديدة  للعيد . ويتحدثُ عن وجبةِ  الطعام التي  تنتظره  بعد  يوم  طويل من التعب والإرهاق والكد،  فيعطينا صورة  واضحة عن الحياة  والطعام  المتبع في القرى . وكيف أنه قضى جزءا من يومه على مقاعد الدراسة  في المدرسة، وبعد  الدوام  الدراسي  يقضي باقي  يومه حتى  ساعات  المساء  وغروب الشمس في  رعي الأغنام  فهو  منذ  صغره يحس  بالمسؤولية  ويتكل  أهله عليه  ويساعد  الأهل   في العمل   والرعي  لتحسين   وضعهم  الاقتصادي .ويعطي هنا الكاتبُ درسا تثقيفيا وتعليميا  في المثل والأخلاق والمبادئ والتضحية فيحفز الأطفالَ  وكلَّ طفل  يقرأ  أو يستمع  لهذه  القصة  للاقتداءِ بالطفل أسعد المكافح لأجل أسرته وأهله وإخوته . ونحن في يومنا هذا نادرا ما نجد طفلا وصبيا  أو حتى شابا  بالغا  يكترث ويهتم  لوضع أهله وعائلته الاقتصادي، بل  الأطفال اليوم  وحتى الشبان  يهتمون  فقط  بأنفسهم  وعلى الأب والأم ان يلبيا  وينفذا لهم جميع حاجياتهم من : غذاء وطعام وملابس ورفاهيات وكماليات لم تكن  موجودة  إطلاقا  قبل عشرات السنين مثل :( جهاز الكومبيوتر ، البيلفون ( النقال ) ، سيارة  ومصروف جيبي يومي،  وغير ذلك  )  .
   وفي المشهد والفصل  الأخير من القصة يروي الطفلُ أسعد كيف  أن والديه قد حققا له  ولإخوته كل ما كانوا يريدونه ويحلمون  به من ملابس وأحذية ومبلغ من المال ( مصروف جيبي) لشراء العديد من الأشياء والحاجات( كالحلويات  والسكاكر والمسدسات المائية والألعاب وغيرها ) ،  وأن أباه نجح في إيجاد عمل ووفر معاش وراتب شهر واعطاه  للأم  لتأمين كل ما يلزم العائلة الوديعة من حاجات ولوازم  أساسية مهمة يوم العيد. ولقد صدق ظنُّ  وحدسُ الأمِّ  المترع  بالأمل  والتفاؤل  وكانت  تقول  له دائما : ستفرج .. ستفرج ..وكما أن الأم كانت إدارية وربَّة أسرة من الدرجة الأولى .( وهكذا كان معظم الأمهات والنساء قبل عشرات السنين ، بل جميعهن ) ..فهذه الأمُّ الاقتصادية  والإدارية استطاعت ان توفر مبلغا من المال من بيع بعض المنتوجات من البيت كالجبن والحليب والبيض لدعم العائلة وإخراجها قليلا  من الضيقة الاقتصادية . فيعطينا الكاتب هنا  صورة مشرقة  ورائعة  لروح المحبة والتعاون بين الأب والأم والأبناء أيضا كالابن أسعد الذي كان يساعد أهله وهو الذي كان يرعى الأغنام  التي  تمد  العائلة  بجزء كبير من  معيشتها  وإعالتها  من  خلال  ألبانها ومشتقاتها   كالجبن  واللبنة  واللبن .
     وكان بإمكان كاتب القصة أن يتوسّع أكثر  نوعا ما  في مسافة  ومساحة القصة ، وخاصة في  جانب الحوار ( الديالوج )  بين  الابطال  وشخصيات القصة ..لأن  قسما كبيرا من القصة صيغ ونسج بشكل وبطابع سردي  على لسان بطل القصة (الطفل أسعد)،وهنالك شخصيات وعناصر قد تكون مهمة جدا في  البناء  الهرمي  للقصة  لم  يدخلها  ويشركها  إطلاقا  في  الحديث والحوار المتبادل  وفي مجرى الأحداث  كوالد أسعد  -مثلا-  الذي يعمل ويكد طيلة  النهار  لأجل  إعالة  العائلة.  ولم يذكر إخوته  أيضا  وأسماءهم  في بداية  القصة وحتى في نهايتها  وماذا اشترى لهم الأهل من ملابس  وأحذية وغير ذلك  من  حاجات  العيد  وكيف  كانت   فرحتهم  وسعادتهم  للملابس الجديدة  .واكتفى  بذكر اسم  واحد  من  أخوته الذي  كنت أمه  تحمله  وهو متشبّث  بملابس العيد الجديدة التي اشتراها  له  الأهل .. ولم  يدخل أباه  في القصَّة  كشخصية مهمة   ومحوريّة  ومركزيَّة،  ولم  يشركه  في  أي  حوار وحديث..وكان الحوار معظمه يدور مع أمِّه..وفي بداية القصَّة مع الأصدقاء المتحلقين حول النار التي أوقدوها لشواء حبات البطاطا . وهنالك شخصيات أخرى إكتفى الكاتب بذكر أسمائها وتعريفها بجملة او جملتين ( كالعم " ابو السعيد" الذي صنع له اليرغول والشبابة، وصاحب الدكان والشاربين( الذي وصفهُ الكاتبُ على لسان الطفل أسعد  بشكل كوميدي ضاحك ساخر ) ..
     إن هذه القصَّة جميلة  ومتماسكة ومترابطة  وسلسة ولغتها الأدبية راقية ومنمَّقة  وفيها كل عناصر الجمال  وفيها التفنن  بشكل تقني رائع ، وخاصة في كيفية  الانتقال من موضوع  لموضوع  ومن مشهد  درامي لمشهد  آخر وبشكل غير مباشر وعن  طريق  الخيال  المجنح  لبطل  القصة ، في أغلب الأحيان ،  الذي يأخذه من مكان لمكان ومن حدث لحدث  وموضوع جديد ، معتمدا أسلوب الفلاش-باك/ الاسترجاع. وهذا  اللون  والأسلوب  متبَّعٌ  في القصص  والروايات  العالمية  للكبار وللصغار. ولقد ذكرتُ هذا الأمر في بداية القصة             ( عندما كان البطل متحلقا مع أصدقائهِ حول النار )  وبعدها  ينتقلُ  خيالهُ  إلى بيتهم  ولأمِّهِ  ولإخوته ولوضعهم الاقتصادي الصعب وحديثه المطول وحواره مع أمه ثم رجوعه بخياله وفكره إلى واقعه وعالمه ومع أصدقائه المتحلقين حول النار. ثم عن حياته في المراعي ومع الأغنام وتفكيره الملحاح  بهدية العيد  قبل رجوعه للبيت عند الغروب مع أغنامه   ليرى  ويشاهد  هدية العيد التي اشتراها  له أهله .. إلخ ..) . 
وكاتب القصة ( الأستاذ نظير شمالي ) يتوقف ويقفل القصة عندما يتسلّم أسعد هدية العيد من أمه. وكان  بإمكانه أن يستمر في مجرى أحداث القصة لليوم التالي يوم العيد ويذكر أجواء البهجة والوداعة والمحبة بين الناس وفرحة الأطفال والصبيان (أسعد وأصدقائه)  بهذا اليوم المنشود - يوم العيد - ويصف لعبهم ومرحهم  والأشياء التي اشتروها يوم العيد ويذكر أيضا أخوة أسعد .. وبإمكانه أيضا  إدخال  بعض الشخصيات الجديدة  يوم العيد  وفي نهاية القصة  . 
   يظهر بوضوح أن الكاتبَ متأثر بالقصص والروايات العالمية التي تخرج عن المألوف والروتين والنمط والأسلوب التقليدي الجاف وتتشعب وتتموج  إلى أبعاد وآفاق عديدة في التلوين  والتفنن والتغيير .                                    
وهذه القضيَّة ترفيهية  من الدرجة الاولى  تسلي  للطفل  وتمتعه، وفي الوقت ذاته تحملُ رسالة  كبيرة  مثلى وتحوي  وتضم  أهدافا  عديدة  في طيّاتها - ذكرتها سابقا  .   ويظهر عنصر المفاجأة في عدة مواقع  ومشاهد منها ... وهذا العنصر والجانب المهم يضيف بعدا فنيا وجماليا لكل قصة سواء كانت للكبار أو للصغار.  يظهر عنصر المفاجأة –مثلا- في نهاية القصة حيث تنتهي نهاية سعيدة وشبه مفتوحة عندما يشتري الأهل جميع احتياجات أطفالهم يوم العيد من أحذية  وملابس وحلوى وغيرها ، وكان  من  المتوقع  أن الأهل لم يتمكنوا من شراء الملابس والأحذية لأطفالهم ولم يعيدوا وستنتهي القصة نهاية حزينة بائسة .  وأيضا  بطل  القصة أسعد  وابن  خالته  الذي  أحرجه بسؤاله  لم يظهر اسماهما في البداية . بل ظهرا، فجأة  بعد  مساحة معينة من القصة. ولم يرد ذكر إطلاقا لجد ولجدةِ الطفل أسعد فيظن القارئ أنهما متوفيان، ويذكرهما الكاتبُ  فقط في نهاية القصة وصباح يوم العيد . ولقد كان  الحديث مركزا  طيلة  الوقت على بطل القصة  وعلى أمه   فالكلُّ يظنُّ في البداية أنه يتيم الأب ولا يوجد له اخوة .. ويُكتشفُ ويظهر  فجأة  ان أباه  حيٌّ ويعمل ويكد لأجل الأسرة،  وأن له أخوة  أيضا بعد قطع مسافة واسعة  من القصة.
  وأخيرا : نهنئ الشاعر والكاتب والباحث  والأديب الكبير والقدير الأستاذ نظير شمالي  على هذا المؤلف  والإصدار القيّم  والرائع.  ونتمنى  له العمر المديد  والصحة   والعافية  والمزيد  من  الإصدارات  الإبداعية   في  شتى المجالات والموضوعات: الأدبية  والشعرية والتاريخية  والتراثية .  

ط ١، ١٤٣٥ه= ٢٠١٤م.

  

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق