تيران وصنافير مصرية وماذا بعد/ إيمان حجازى

بالأمس .....
كان يوم فرح ِ ولم يكن بالأساس عودة تيران وصنافير كجزر للسيادة المصرية هو السبب  ِ فالجزر فى الواقع لم تكن ذهبت لتعود ِ فهى مصرية كانت ومازالت وسوف تظل ِ ولن يغير هذا الواقع شيئا مطلقا .

وإنما كانت أسباب الفرح بالأمس متعددة وتتلخص فى

أولا ... عودة الثقة فى وجود جهاز قضائى نزيه مستقل ِ عودة العدالة العمياء التى لا تنصاع لرغبة سياسية ولا ترتإى برؤى سيادية.

ثانيا ... عودة الثقة فى وجود محامِِ نزيه مصرى حر مؤمن بالأرض ِ مسلم بأن الأرض عرض لا يمكن التخلى عنه ولا التنازل لأى سبب من الأسباب ِ محام يتبنى القضية بدون بروباجندة شخصية ولا خلق شو إعلامى ِ محام ليس هدفه الأساسى عدد الأصفار التى توضع أمام الأرقام فى الشيكات التى يحصل عليها لتضخم الرصيد البنكى.

ثالثا ... المواطن المصرى ِ أو بعضه ِ الذى بعث فيه الروح ِ الذى يعلم حق الأرض ويعى كم بذل فى سبيلها من أرواح زهرة الشباب وكم روتها سيول من دماء فلذات الأكباد وحبات القلوب .

هذا الثالوث الهائل ِ هذه الرغبة التى إجتمعت على حب الوطن وسلامة أراضيه هى ما كانت مدعاة للفرح بالأمس بحكم أصدرته المحكمة الإدارية بمنطوق غاية فى الإبداع اللغوى والإعجاز الإنسانى بلسان المستشار الجليل أحمد الشاذلى هذا الرجل الذى سوف يذكره التاريخ فى صفحة وضاءة هو وهيئة المحكمة الموقرة .

أما اليوم .....
وقد إستفقنا من الفرحة التى أسكرتنا بالأمس ِ فقد وجب علينا إستيعاب ما حدث ومحاولة تحليله ِ حتى نستطيع تحديد موقفنا بالضبط 

فأولا..... الحكم الذى صدر ِ بإلغاء إتفاقية إعادة ترسيم الحدود ِ لا يعنى أنها لم تعد قائمة فقط بل كأنها لم تكن بالأساس ِ وعلى ذلك لم يعد من الضرورى تحويل الأمر الى مجلس النواب لإبداء الرأي حيث أنه لم يعد هناك موضوع يطرح للنقاش ِ بحكم المحكمة ( ولكن مجلس النواب له رأى آخر ).

ثانيا .... رغم مبدأ لا تعليق على حكم المحكمة والذى إنتهجته الحكومة وفرضته علينا طوال الفترة الماضية ِ إلا أننا وجدنا بالأمس برامج التوك شوز بالتليفزيون المصرى تعج  بمداخلات عديدة لمستشارين ومحامين وخبراء وغيرهم يعلقون على هذا الحكم فى شكل إستهجانى مستفز .

ثالثا .... حتى السيد رئيس البرلمان والذى جاء ليحمى مصالح المواطن والذى أقسم على تنفيذ الدستور ِ وحمايه الوطن وسلامة أراضيه ِ هو نفسه ينفى عن المحكمة الادارية ما أصدرته من حكم فى شكل لا يدع للتخمين سبيلا برغبة سيادته فى التخلى عن الجزر ِ وهذا لا يبشر بخير ِ حيث من يتخلى عن جزء بالأحرى يكون لديه النية فى التخلى عن الكل .

رابعا .... النقطة التى يثيرها منذ الأمس أيضا المحللون ِ وهى إمكانية تدويل القضية ِ فيا ترى كيف سنتعامل مع قضية بدأ فيها الكلام وإستمر فضائيا ودوليا من خلال الطرف الآخر وهو يروج ويدعى أنه لم يكن يريد ما قدم له كهدية ربما أو ربما كمقابل لإعانات قدمها لبلد شقيق فقير يعانى إضطرابات وقلائل نجمت عن مرورها بثورات قريبة العهد وربما لتحملها مواجهة الإرهاب الذى يخيم على الصورة بوجهه القبيح فيحصد خيرة شبابها ويريق أنهارا لا تجف من الدماء .... بينما بالداخل تصدمنا عقول وأبواق لن نوجه لها الإتهامات هنا ِ لكن أبسط ما يقال عنها أنها عقول تشجع بل وتؤيد التنازل عن الأرض ِ وهذا ليس سرا نذيعه ِ بل هم من يتغنون بهذه الأفكار ليل نهار سواء على صفحات الجرائد القومية أو على شاشات القنوات المحلية الفضائية ومنهم من هو نائب عن الشعب فى البرلمان ومنهم من يرأس جريدة قومية وكثيرا منهم لواءات شرطة وجيش مما يجعل الإنسان العادى يتعجب ويتساءل عن عقيدة الجيش فيما يخص الأرض كيف تبدلت هكذا بين عشية وضحاها ِ ونتساءل عن موقف هؤلاء جميعا إذا ما تم تدويل القضية !!

خامسا .... منذ الأمس البعيد قليلا وحتى أمس الليلة البارحة ِ يحصد شبابنا يد الإرهاب بدون رحمة ِ هذا يجعلنا بكل الأشكال ومن وجهة نظر إقتصادية بحتة عرضة للتصنيف كمنطقة حمراء ِ هذا ما قد يجعلنا مؤهلين للوضع تحت الحصار السياسي والإقتصادى ِ فتمتنع عنا الأفواج السياحية ِ فينهار وضعنا السياحى أكثر مما هو عليه فيؤدى الى إنهيار إقتصادى أكثر حدة .

سادسا .... زيادة الأسعار التى يعانيها المواطن مؤخرا بسبب السياسة الإقتصادية للحكومة وتطبيق القرارات التى إشترطها البنك الدولى ِ مما إستلزم إلغاء الدعم مع ثبات الرواتب ومستويات الدخول وهذا قد أغرق المواطن المصرى فى جب سحيق من الإملاق ِ مع ما تنتويه الحكومة من إستكمال خطواتها فى سبيل الحصول  على الجزء التالى من قرض البنك الدولى ِ وهو ما يعنى أننا فى حالتنا تلك بين فكى رحى الفقر وغلاء الأسعار من جهة والحكومة والبنك الدولى من جهة أخرى ِ حيث ربما يستغل البنك الدولى الفرصة ِ أو ربما تتصالح المصالح الدولية السياسية والإقتصادية وتتحالف ضدنا ِ فيستعمل القرض كورقة ضغط علينا فيما يخص الجزر .

وأخيرا وليس آخرا ......
المتابع للموقف بداخل مصر عن كثب ِ يجد أن الوضع متأزم جدا ِ ويجد بمنتهى الوضوح أن المواطن والحكومة والبرلمان فى موقف لا يحسدون عليه . فمن منهم سوف يتبنى قضية الآخر ِ ترى هل ستنحاز الحكومة والبرلمان لرغبة ورؤية الشعب وحرصه على معتقداته فى حماية وسلامة أراضيه ويتركوا الموقف مر بسلام ِ أم سوف ترينا الأيام التالية إنقسامات فى الكيان المصرى لم يعهده مسبقا !؟

وهناك أيضا سؤال يطرحه البعض ِ ربما يكون سؤالا خبيثا ِ هل لو حدث وجنحت الحكومة وأصدر البرلمان قرارا مغايرا لرؤية الشعب ِ هل الشعب سيقابل هذا الموقف صامتا متوشحا بدثار الإحتياج ِ يرزخ كاهله تحت وطأة الفقر ِ هل سيلوك المواطن مرارة الإنهزام وينكمش تحت بطانية برد الشتاء مؤثرا السلامة ِ رافعا شعار وأنا مالى ِ البلد بلدهم وكما فعل السادات فى كامب ديفيد ِ وكما فعل مبارك مع اليونان وحقل الغاز ِ وكما تم من سنتين ويتم  الآن مع أثيوبيا وحصة المياة ِ يجوز أيضا الطرمخة على إتفاقية التقسيم ِ طالما السعودية سوف فتح خزائنها وتعطينا ما يفك أزمتنا, أم أنه سيكون للمواطن المصرى رأى آخر !؟

ولكن أعتقد كمواطن بسيط جدا ِ إذا إنتهى الحال الى ما نتصوره من سيئ الأمور ِ فقد تقطع أواصرنا إربا ِ وسيكون من حق السودان مثلا أن تطالب بحلايب وشلاتين على غرار الجزيرتين ِ وهى بالفعل كانت قد لوحت بذلك  مع بدايات طرح موضوع الجزر ِ وكلنا يتذكر طبعا ما حدث فى عام الإخوان  ومحاولات التنازل عن حلايب وشلاتين للسودان وهو ما أثار حفيظة الشعب المصرى بالكلية وقتها ِ وأتساءل أيضا كمواطن عن الفرق فى الحالتين !!!!

هل ما أفكر فيه يعد إستباقا للأحداث ِ أم هو تصور معقول مقبول  من مواطن يحيي بكل الحب على أرض هذا الوطن ِ ويخشي على أهله وإستمرارية الحياة فيه .
والله أعلم ......

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق