ضياع/ عبد القادر كعبان

لقد أنهيت دراستي الجامعية. حصلت على الشهادة رغم الفقر الذي تعيشه عائلتي. وجدت ذلك حافزا لي لأنجح بتفوق. اليوم أجدني محبطا لأنني لم أحصل على وظيفة.
تخصصي صحافة وإعلام. لطالما حلمت بمكتب لي وزملاء من حولي أمازحهم. أصبحت اليوم كمن كان واهما ثم اصطدم بالواقع.
التقيت بالصدفة رفيقا لي أيام المدرسة الابتدائية. يملك سيارة فارهة. جلسنا سويا في إحدى المقاهي الشعبية. أخبرني أنه يعمل بالمجال التجاري. سألني بدوره عن أحوال الدراسة.
هو يجهل لما وصلت إليه من ضياع بعد حصولي على الشهادة الجامعية. عائلتي بحاجة ماسة للمساعدة. أنا عاطل كالآلاف من الشباب في هذا البلد الحزين.
عرض علي فكرة العمل معه. وافقت دون أدنى تفكير مسبق. عاد هو يدخن سيجارة في خشوع. باغته رنين المحمول. تركني ورحل لحظتها بعدما قدم لي رقم هاتفه وعنوان بيته.
عدت بدوري إلى المنزل. وجدت أختي الكبرى تقرأ كتابا. دخلت الحمام وغسلت وجهي بماء بارد. نظرت إلى المرآة. تساءلت ماذا يحدث لهذا الزمن. لماذا تحولت الحياة إلى مجرد أمور مادية تافهة. الناس تبحث عن المال والسيارات والنفوذ. الفقير كيف له أن يعيش وسط هذه الفوضى؟!. خرجت وسألت أختي بنبرة حزن:
- هل الفقراء أحياء في هذا البلد؟!
ابتسمت قائلة:
- الصبر هو سلاحهم يا عزيزي..
أخذت نفسا عميقا وقلت:
- لقد تغير الجميع، فما سبب كل هذا البؤس؟!
صمتت هنيهة ثم أجابت:
- هناك من أصبحت تنقصهم القناعة يا أخي.. ثقتهم عمياء بالمخلوق لا بالخالق عز وجل..
قلت مؤكدا:
- فعلا هناك من يسعى لتحقيق أحلامه بالرشوة وأكل الربا والغش... ليس من العدل أبدا أن يفرض المجتمع علينا مثل هذه المعاملات.
أغلقت الكتاب ووقفت لتضعه فوق الطاولة. أخبرتها أنني وجدت فرصة عمل أخيرا. قامت بتهنئتي على الفور. تركتني بعدها أفكر فيما قالته لي. تجرأت وفتحت ذلك الكتاب بعدما أصبحت لا أهتم بالكتب. قرأت للحظات جملا أثارت في نفسي شعورا داخليا بالارتياح أبعدني عن ذلك الضياع.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق