كيف تكون نفوسنا شفافة كالبلور، يعبر نور الله من خلالها/ الدكتور حمدى حمودة

لقد شدنى كثيرا ما قرأته لهذا الصوفى الورع شمس التبريزى الذى عاش فى 1240 للميلاد ، هجر بيت والده وهو فى عمر الثانية عشر ، بعدما اختلفا على الرؤى التى كانت تلازمه من عمر السابعة كان والده يعتبر أن هذه أضغاث أحلام ، لكنه كان يراها رؤي وهبه الله القدرة على تفسيرها ، ومن وقتها ظل مرتحلا من بلد الى أخرى حتى أتم العقد الرابع من العمر . يقول شمس ( يوجد معلمون مزيفون فى هذا العالم أكثر عددا من النجوم فى الكون المرئى ، فلا تخلط بين الأشخاص الأنانيين الذين يعملون بدافع السلطة وبين المعلميين الحقيقيين ، فالمعلم الروحى الصادق لايوجه انتباهك اليه ولا يتوقع طاعة مطلقة ، أو اجابة تامة منك ، بل يساعدك على أن تقدر نفسك وتحترمها ، ان المعلميين الحقيقيين شفافون كالبلور ، يعبر نور الله من خلالهم )
هل هناك منا من ينطبق عليه هذه الأوصاف الذى نادى بها شمس ، هل يوجد معلمون حقيقيون يضحون بكل شيئ من أجل اجتياز الطريق ، يضحى بماله ، بسلطانه ، بشهرته ، أو بشهواته الدنيويه للوصول الى الصفاء الروحى الذى يجعله لايثر انتباهك له ، بقدر ما أنت فى حاجة اليه من نور الهى يضيئ روحك وينقيها ويصفيها من كل الشوائب العالقة بالنفوس ، الطريق طويل وشاق مثله مثل الورود التى يملأ عنقها الشوك الذى يوخذ يدك فتشعر بالألم واللذة فى نفس الوقت ، فلا لذة أو متعة دون ألم كما قال هذا الدرويش الصوفى وكما قالها بعده نيتشة ( فيلسوف ألمانى عاصر هتلر ) كان هو الآخر صوفى وكذلك أبيه وجده ، عرفوا جميعهم أن السعادة لا تتحقق الا بمزيد من الألم ، فعندما تجد القابلة أن المرأة الحبلى لاتتألم أثناء المخاض ، فانها تعرف أن الطريق ليس سالكا بعد لوليدها ، ولكى تضع وليدها يجب يكون هناك ألم ، وكذلك الحب لا يكتمل الا بالألم .!!   فهل نحن نعيش اليوم هذا الألم .؟ هل لدينا هذا المخاض الذى تحتاج اليه المرأة الحبلى لكى تنتهى من الولادة .؟ هل بالفعل سنصل الى نهاية الطريق وننعم باللذة ونتلمس السعادة التى حرمنا منها سنوات طوال .؟ الطريق يريد منا الشفافية التى تنير الروح ، فهل منا من يمتلك هذه الشفافية .؟ لقد ظل هذا الصوفى سائرا أربعون سنة يتلمس فيها الوصول الى قبس من نور ، الى تلك الشفافية التى أضاءت روحه وملئت قلبه ، يقول أن المعرفة الحدسية التى تملأ أرواح الزاهدين والنساك ليست المعرفة الأولية أو الباطنية التى يصل اليها الدراويش من أهل الصوفية ، ولكنها معرفة باطنية الباطن التى تتأتى للأنبياء وأولياء الله الصالحين ، عندها يحدث الكشف من قبل الله لهؤلاء فيرون بأبصارهم على بعد آلاف الأميال فى اللحظة الراهنة .! نادى الفاروق عمر على سارية وهو واقف على الممبر عندما رآه محاصرا ، فقال ( ياسارية الجبل ) وسمع سارية النداء فالتف حول الجبل ، هكذا كانت الأنبياء والخلفاء الراشدين وأولياء الله الصالحين فى أزمنة متعاقبة حتى أن كان الصوفى الناسك الزاهد أبو حامد الغزالى الذى صحح الطريق بوضعه الأسس العلمية للتصوف الذى ما انفك القرن الرابع عشر الهجرى الا وأصبح هذا العلم مجرد من تعاليمه الأساسية ، ليتعايش معه المجاذيب والمهرطقين .                               
لقد خلا زمننا هذا ممن يملكون هذه النفوس والأرواح الشفافة التى يغمرها النور الألهى ، وانته كذلك زمن المعجزات الألهية ، وأصبحنا فى زمن العجائب ، زمن يغتال فيه بعضنا بعضا ، زمن القوى فيه هو الذى يسود ، على مستوى الفرد والدول ، زمن القيم فيه تبدلت ، منظمات ودول وأمراء جماعات ترعى الأرهابيين وتمدهم بالسلاح والمال وجميعهم من الذين يعتنقون الأسلام ، ويقتلون المسلمين والمسيحيين ، وينحرون الرقاب ويأكلون القلوب ويشقون البطون من النساء والرجال والأطفال ، ويهدمون المساجد والكنائس والقبور ، كل ذلك باسم الأسلام ، يكبرون الله ولا يخشون فى الله لومة لائم ، هكذا استطاعت قوى الشر المتمثلة فى واشنطون ودول الغرب وبعض الدول العربية ، قلب القيم ، يقولون ما لا يفعلون ، يقتلون الأنسان والحيوان والشجر والجماد ويكبرون .! علينا أن نضع كل ما يحدث لنا من كوارث ومصائب من تفجيرات وقتل وهدم للأديان تحت المجهر للدراسة والتحليل للوقوف على الأسباب الحقيقية التى أدت بهؤلاء الى ارتكاب هذه المجازر فى كل البلاد العربية والأسلامية ، علينا أن نعيد النظر فى مناهجنا الدراسية وعلاقاتنا مع الدول الصديقة وغير الصديقة لنكتشف أين الخلل .؟ هل هذا الخلل نحن صانعيه ، أم السبب ضعف ايماننا وتفريطنا فى ديننا وقيمنا وما جبلنا عليه من فطرة .؟ وفى قول آخر للتبريزى يقول ( من السهل أن تحب الاها يتصف بالكمال، والنقاء ، والعصمة ،لكن الأصعب من ذلك أن تحب كل من حولك من بشر بما فيهم من نواقص وعيوب ، فلا حكمة من دون حب ، ومن لم يتعلم كيف يحب الناس ، فلن يستطيع أن يحب الله ، حيث يوجد نوع واحد من القذارة لايمكن تطهيرها بالماء النقى ، وهى الكراهية والتعصب التى تلوث الروح ، نستطيع أن نطهر أجسامنا بالزهد والصيام ، لكن الحب وحده هو الذى يطهر أرواحنا .! )
                                                                            
Dr_hamdy@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق