الحكم الديني وازدراء الاقليات 3 / لطيف شاكر

في مقابلة أجرتها وكالات الاعلام  الامريكية  مع  برنارد لويس  قال  :
 إن العرب  قوم فاسدون  مـُفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم .. وإذا تـُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية ارهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات ..  ولذلك فان الحل السليم للتعامل معهم هو اعادة احتلالهم واستعمارهم   ولذلك فإنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية .. ولا داعي لمـراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود أفعالهم…. ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك :   إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا    ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المـُعلنة “هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية
وفي ظل ما يشهده العالم العربي من  موجات عنف و صراعات دموية من جهة، وحروب طائفية  قائمة على أسس دينية و عرقية  من جهة أخرى . و مع تردد أصوات كثيرة في الآونة الأخيرة  لخبراء حول  وجود مخططات  استعمارية جديدة  تحاك خلف الستار تستهدف المنطقة العربية  و التي  ستتضح بصورتها الكاملة في العام 2018، أي بعد مائة عام من اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت الدول العربية بحدودها الحالية. حسب هذه المخططات فإن المشروع المستهدف يرمي إلى تقسيم  و تفتيت الدول العربية بتحويلها  إلى دويلات صغيرة وممزقة على أساس طائفي و مذهبي ، بالمقابل ستظهر فدرالية تقودها إسرائيل باعتبارها الدولة المركزية الوحيدة التي ستحكم المنطقة سعيا منها  لتحقيق  حلم ” إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ”  بعدما تضعف دول الجوار.
  وبحكم علاقته القريبة من الإدارة الأمريكية السابقة فإن مخططه هذا  يراه  محللون من السياسات المستقبلية التي تنتهجها  الولايات المتحدة في  تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط  يعتبر جزءا من خريطة” الشرق الأوسط الجديد”   التي لوحت بها علنا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة  كونداليزا رايس  خلال عام 2006. ومع ما أطلق عليه ” ثورات  الربيع العربي”
يبني برنارد لويس مخططه هذا انطلاقا من دراسته الطويلة لبنى العالم العربي و تأليفه لعشرات الكتب  عن الشرق الأوسط  و خاصة  اهتمامه بنظم الحكم أيام الدولة العثمانية. نذكر من أهم كتبه: “حرب مندسة و إرهاب غير مقدس” “أزمة الإسلام” “مستقبل الشرق الأوسط”  “العرب في التاريخ ” “الحداثة في الشرق الأوسط الجديد”… الخ . ومنه فإن الطبيعة والتركيبة  القبلية و العشائرية  للدول العربية  على مر السنين جعلت  برنارد لويس يجزم بأنه من المستحيل على العرب تكوين دولة بالمعنى الحديث . وذلك لأنهم مؤسسون على مجتمع محكوم بالنظام القبلي الطائفي. ويرى أن على أميركا استثمار هذه التناقضات العرقية و العصبيات القبلية و الطائفية لصالح مصالحها الإستراتجية بالمنطقة كما يتوقف الأمر أيضا على حسن استعمالها لسياسة ” فرق تسد”
واطلق مايكل هايدن مدير المخابرات الامريكية السابق تصريحات خطيرة  حيث اكد علي ان عدة دول عربية ستختفي عن خارطة الشرق الاوسط قريبا  وقال هايدن في  حديثه للصحيفة لو فيجارو الفرنسية ان هذه الدول التي وضعت نفسها علي الخارطة بمساعدة القوي الاوربيةلم تعكس الوقائع علي الارض  وخلص الان نري ان المنطقة تعيش حالة عدم الاستقرار وسيبثي الامر علي حاله في السنوات القادمة اذا لم يحرك ساكني بحسب وصفه.( قال  كيسنجر  ان سبعة دولة عربية ستنتهي من خريطة الشرق الاوسط ) 
فالخارج يسعي  الي تقسيم مصر وينتهز الفرصة  المناسبة للانقضاض علي الوطن لتنفيذ مخططه    , لكن التقسيم لا يأتي  من الخارج  انما  دائما من الداخل  عن طريق   تفكك قوي الشعب والتيارات المحلية المضادة ,  والدولة لاتبالي  ويغضون في نعاس مقصود او عن جهل.
ولب  مشكلة التقسيم  وجود في مصر هويتان   المصرية  و العربية وصراع الهويات اشد فتكا من  صراعات الاديان والمذاهب   ويقول الاستاذ طلعت رضوان :أعتقد أنّ شعبنا الآن لا ينقسم بين مسلمين وغير مسلمين ، وإنما بين مؤمنين بمصر فى مواجهة (جيتو إسلامى) وهذا الجيتو يتزعمه الكهنوت الأزهرى
فالاسلاميون لا يكلوا ولا يملوا  عن اضطهاد المصريون  الاقباط   وبتعضيد   من  الامن والقضاء ,و الاقباط  يشكوا ولا سامع او مجيب   فالقنوات الشرعية موصدة امامهم والجاني دائما برئ مادام عربيا مسلما   والمجني عليه هو المتهم  لانه مصري قبطي وهذا يتم في ظل الدولة الدينية  فقط,  والسلفيون يسعون  دائما الي الاصطدام  بالاقليات  دون  سبب ودون ذنب ,  والهدف من  الاضطهاد   الممنهج للاقليات  هو خلق مناخ  من التناقضات  العرقية والعصبيات القبلية والطائفية   والانفسامات لحساب الاخوان المسلمين وداعش .وبالتالي اتاحة الفرصة للتدخل الاجنبي  بحجة   حماية الاقليات (القبطية والنوبية ..الخ)                               
يقول الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الازهر الاسبق:...... ان المسيحيين أشبه بمرض خبيث  مُعد يجب علي المسلمين ان يظلموهم وان يسيئوا معاملتهم ويحتقروهم ويقاطعوهم حتي يضطروا الي اعتناق الاسلام .
والاسلاميون  لايريدون الوطن ولايؤمنون  به  واعتبروا ان حدود الوطنية بالعقيدة وليس بالحدود الجغرافية او بالتخوم الارضية    (حسن البنا)  ولاجنسية للمسلم غير عقيدته فالمسلم لايعتز بجنس ولا بقوم ولا بوطن ولا بارض (سيد قطب ) ويقول مهدي عاكف  طز في مصر وشعب مصر فالدين يعلو عن  الوطن والدستور والقانون , ولقد درس نابليون عقدة الدين عند المصريين وعرف ان الاسلام   هو المدخل  لاحتلال الوطن  ,  فتظاهر  بالاسلام واحتل مصر..  وليس ببعيد ان يحدث هذا  .....
ان هوية مصر ثابتة منذ ألاف السنين وملامحها الارتباط بالأرض والمصري لازال يؤكد أن الأرض عرض ولذلك أنشط قطاع اقتصادي يساهم فيه الشعب كأفراد هو القطاع العقاري لأن كل انسان علي أرض مصر يريد أن يمتلك ارضاً أو عقاراً أو شقة لأن الهوية المصرية مرتبطة بالأرض
كتب الاستاذ محمد حسنين هيكل   ، تحت عنوان: "عن التجربة الديموقراطية في زماننا"  
إن النظام المصري وقع في مشكلة تحديد الهوية المصرية ولم يستطع لفترة طويلة أن يصل فيها إلى جواب، والهوية الوطنية بالنسبة للشعوب هي بطاقة تحقيق الشخصية بالنسبة للأفراد، وكانت النتيجة أن وقعت اهتزازات حضارية خلقت مواقف من الحيرة والتردد الطويل أمامها. وعلى سبيل المثال، فإنه في وقت من الأوقات، وخصوصاً أيام الوحدة مع سوريا، كانت أي إشارة إلى تاريخ مصر الفرعوني القديم، تعتبر إساءة لا تغتفر أو هي سقطة تستوجب الاعتذار عنها
ان سوس الاضطهاد والكراهية ينخر في عظام الوطن عن طريق   مناهج الازهر الدموية و الكاره للاخر  والتعليم الديني المدرسي  الممجد لتاريخ الاحتلال والدم  و الاعلام الغير محايد  وسلفية مقيتة  وبطش  الامن وظلم القضاء ...لااظن ان هذا  يخدم الوطن وليس جهادا مقدسا  انما  يؤدي بالتأكيد الي تقسيم داخلي وكل مدينة تنقسم علي ذاتها تخرب .
وهل ننتظر في ظل  هذا التفكك وانهيار الوحدة الوطنية و عدم التماسك الاجتماعي والخلافات الدينية الذي يسببها الازهر وشيوخه والسلفيون بلسانهم الداشر  ان يكون السلام الداخلي منضبطا  او وحدة وطنية مترابطة,  خاصة وان دول الجوار في طريق التقسيم
اذن لا حل الا  بالتمسك  بالهوية المصرية وتفعيلها  بالتعليم في المدارس والتربية وبالاعلام وباحياء التراث المصري المجيد  واطلاق الاسماء المصرية علي كل الاماكن بدلا من العربية,  و تمصير العقلية المصرية بعد ان عربها عبد الناصر  واعادة الروح المصرية في الشعب المصري,  واستدعاء  روح ماعت    القانون الإلهى الكونى الذى يرسى قواعد الخير والحق في مواجهة قوى الشر والظلم .
 ان شرخ الانقسام  في جدار  السلام الاجتماعي  والوحدة الوطنية    يتزايد يوما بعد يوم  بسبب الهوية العربية النازحة و التي تحمل في طياتها تاريخ دموي اسود , يكتب د. عبد الحميد الانصاري : ان تمجيد  التاريخ العربي  والتغني بالامجاد والمآثر والانتصارات والرموز والابطال عبر انتقاء لحظات مضيئة في التاريخ مع تجاهل تام لاكثر من الف عام من مظالم واستبداد وانقسامات وحروب دامية ضد بعضنا وضد الشعوب الاخري   ظنا بان نقد التاريخ هو نقد للدين ..ولاقداسة للافراد , ولم  يكن تاريخنا ماضيا سعيدا (د.سيد القمني)
 والعجب ان الدولة  لاتبالي  واظن انها تجهل تاريخ مصر  ,  واخشي في  مستقبل الايام وفي ظل انظمة ظالمة  وتيار ديني  متشدد  ان  نبكي علي اطلال وطن  كان اعظم الاوطان يوما ما   ,(لهم عيون ولا يبصرون ولهم عقول ولايفهمون )

لقد ثبت  كثير من المصريين عيوتهم في قفاهم واصبحوا  يتظرون   الي الماضي العربي في استعلاء ويريدونه حاضرا ومستقبلا  بل ومقدسا وهذا من اسباب الارهاب والتخلف والجهل والتفتت

ويبقى مشروع برنارد لويس مشروعا قائما بذاته، ونظرية مطروحة بقوة  خاصة مع ظروف عربية متاحة و مناسبة تثمن هذا المخطط  و تشرذم  واضح ، واقتتال وتناحر  داخلي  يطفو  يوما بعد يوم على السطح … كل هذا يمهد لمشروع  “سايكس بيكو” جديد يحرق  المنطقة .

 في  تحقيق للمؤرخ جمال عبد العزيز عن نبؤات هيرمس  يقول   : بعد ان كانت مصر صورة للسموات ويسكن الكون هنا في قدس معبدها ...ستصبح مصر مهجورة موحشة محرومة من وجود الاله يحتلها الدخلاء سيتنكرون لتقاليدنا المقدسة , ان هذا البلد الزاخر بالمعابد والاضرحة سيضحي مليئا بالجثث والمآتم , و النيل المقدس سوف تخضبه الدماء وستفيض مياهه محملة بالقيح.

يقول صموئيل هنتجتون  : العقيدة  وحدها لاتصنع أمة , فالأمة التي يتم تعريفها علي اساس العقيدة هي أمة هشة الي زوال 

 بؤونه / يونية   

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق