شعراء الواحدة: دَوْسَر بن ذُهَيْل القُريْعيّ ـ الحلقة الرابعة/ كريم مرزة الأسدي

لم تذكر لنا  المراجع  ترجمه لهذا الشاعر الدوسر سوى هذه القصيدة الواحدة التي ندوّنها ، ونتكلم بما يتوفر لدينا ، وما يأتي به القلم ُ ، تذكر بعض المصادرعند الحديث عن عشائر وبطون تميم المضريه ألعدنانيه أنّ نسبة (الدوسري)  تعود إلى دَوْسَر بن ذُهَيْل القُرَيْعي ، من ذرية قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم . يقول دَوسر القريعي ، وتذكر مطلع قصيدته ( 1)
   ويذكر د.مسعود بوبو  في مقالته (ما أخذه العرب من اللغات الأخرى) ، أن معنى كلمة دوسر هي : " إحدى كتيبتي النعمان بن امرئ القيس، اسم نبات، الجمل الضخم، اسم قلعة جعبر المعروفة قرب الرقة بشمال سورية، اسم شاعر هو دوسر بن ذهيل القريعي، ومعناها: (ذو الرأسين) " (2)
والقصيدة يرويها الأصمعي في ( أصمعياته) ، دون أي ذكر لترجمة له ، سوى ذكر اسمه : قال  دَوْسَر بن ذُهَيْل القُريْعيّ :
1 - وقائلـةٍ مَا بالُ دَوسَرَ بَعدَنَــا ******* صَحَـا قلبُهُ مِنْ آلِ لَيْلَى وعنْ هِنْدِ
2 - فإنْ تــكُ أثْوَابِي تَمَزَّقْنَ لِلْبِلَى *****  فإنِّي كَنَصْلِ السَّيْفِ في خَلَقِ الغِمدِ
3 - وإِنْ يَكُ شَيبٌ قدْ عَلاني فرُبَّمَـــا ****** أَرَاني في رَيْعِ الشبابِ معَ المُرْدِ
4 - طَوِيلُ يدِ السِّرْبَالِ أَغْيَدُ لِلصِّـــبَا ****** أكُفُّ علـــى ذِفْرَايَ ذَا خُصَلٍ جَعْدِ
5 - وحَنَّــــتْ قَلُوصِي مِنْ عَدَانَ إلى نَجْدٍ****** ولمْ يُنْسِها أوطانَها قِدَمُ العَهدِ
6 - وإنَّ الذي لاقيتِ في القَــلبِ مِثْلُهُ ******* إلى آلِ نجدٍ مِنْ غَليلٍ ومِنْ وَجدِ
7 - إذَا شِــــئْتِ لاقَيْــتِ القِلاصَ ولا أَرَى******** لِـــقَوْمِيَ أَبدَالاً فَيَأْلَفَهُمْ وُدِّي
8 - وأَرْمِي الذي يَرْمُونَ عنْ قَوسِ بِغْضَةٍ * وليسَ عَلى مَوْلايَ حَدِّي ولا عَهدِي
9 - إذَا مَـا امْرُؤٌ ولَّـــى عَلَيَّ بِوُدِّهِ *******وأَدْبَــــــــرَ لـم يَصْدُرْ بإدبــــارِه وُدِّي
10 - ولم أَتَعَذَّرْ مِن خِلالٍ تَسُــــوءُهُ*******  لِمَـا كان يَأْتِـي مثلَهُنَّ علــــــى عَمْدِ
11 - وذي نَخَوَاتٍ طامِحِ الرأسِ جـــاذَبَتْ ***** حِبَالِي فَرَخَّى مِن عَلابِيِّهِ مَــــدِّي(3)
الإنسان هو الإنسان ، مهما طالت العهود ، وانقلبت العصور ، الجنس الآخر شغله الشاغل ، وإن تكلّف ، وتزّهد ، وتعفف ...!! لم يطلع علينا إلا بـ ( وقائلةٍ) ، ويردف بليلى وهند في عجزه ، وما أجمل التصوير والتشبيه والطباق  في البيتين الثاني والثالث :
2 - فإنْ تــكُ أثْوَابِي تَمَزَّقْنَ لِلْبِلَى *****  فإنِّي كَنَصْلِ السَّيْفِ في خَلَقِ الغِمدِ
  ألم يذكرك هذا الدوسر البالي الرميم ، بأحمد الصافي النجفي بعقاله وكوفيته وجلبابه، وبساطة ثيابه ، وهو الصارم المهند ، ويصكّ مسامعك بقوله :
سنّي بروحي ، لا بعدّ سنيني ******* فسأهزنّ غداً من التسعينِ
عمري إلى السبعين يمشي راكضاً ** والروح ثابتةٌ على التسعينِ     
ولكن ربما صافينا النجفي ، كان يتلبس المعنى بوقارًوهدوء وابتسامة عابرة ذات مغزى ،  أما صاحبنا على ما يبدو كان يلهو ويعبث ويلعب مذ فتوته وصبابته ، وبقى على عهده حتى اشتعل رأسه شيباً ، اقرأ معي :
 3 - وإِنْ يَكُ شَيبٌ قدْ عَلاني فرُبَّمَـــا ****** أَرَاني في رَيْعِ الشبابِ معَ المُرْدِ
على حين دعبل الخزاعي ، على ما أظنه قد علاه الشيب مبكراً ، إذ في أول إطلالته على الرشيد (172 هـ)  ، وما كان قد تجاوز الرابعة والعشرين من عمره المديد ، أطرب رشيده بفصيدته ، ومنها قوله :
لا تعجبي يا سلمُ من رجلٍ *** ضحك المشيبُ برأسهِ فبكى ..!!
وليس غريباً ولا عجيباً مَن مثل دوسرينا الذي قضى حياته لهواً وعبثاً وأنساً مع أصحابه  ما بين شيوخٍ بشيبتهم ، وشبابٍ بريعانهم ، ومردٍ بصبوتهم ، يحسّ بالوحشة الرهيبة ، والغربة القاتلة حين يفارق ناسه وأهله ، وعند عودته لقى ما يلقى الإنسان من جفاء طبع ، وغلظة عشرة ، وبغض وحقد  ، بينما ناقته لم تتجشم هذا العناء والشعور ، وعادت إلى نوقها وصويحباتها على الطبع الفطري ، والجبلة النوقية ...!!! اقرأ وتأمل رجاءً:
5 - وحَنَّــــتْ قَلُوصِي مِنْ عَدَانَ إلى نَجْدٍ****** ولمْ يُنْسِها أوطانَها قِدَمُ العَهدِ
6 - وإنَّ الذي لاقيتِ في القَــلبِ مِثْلُهُ ******* إلى آلِ نجدٍ مِنْ غَليلٍ ومِنْ وَجدِ
7 - إذَا شِــــئْتِ لاقَيْــتِ القِلاصَ ولا أَرَى******** لِـــقَوْمِيَ أَبدَالاً فَيَأْلَفَهُمْ وُدِّي
8 - وأَرْمِي الذي يَرْمُونَ عنْ قَوسِ بِغْضَةٍ * وليسَ عَلى مَوْلايَ حَدِّي ولا عَهدِي
مخاطبة أو محاورة  الشاعر العربي لناقته ، أو قلوصه ، أو فرسه ، أمرٌ مألوف في الشعر العربي ، فهذا المتنبي يخاطبه حصانه في شُعب بوان ببلاد فارس ، ويردُّ عليه  :
يَقُولُ بشِعْبِ بَوّانٍ حِصَاني: *** أعَنْ هَذا يُسَارُ إلى الطّعَانِ؟!
أبُوكُمْ آدَمٌ سَنّ المَعَـــاصِي *******وَعَلّمَكُمْ مُفَارَقَةَ الجِنَانِ
فَقُلتُ: إذا رَأيْتُ أبَا شُجاعٍ ***سَلَوْتُ عَنِ العِبادِ وَذا المَكانِ
  وتذكّرت الآن بيتي المنخل اليشكري ، وهو أيضاً من شعراء الواحدة ، إذ يرفع منزلة ناقته إلى المنزلة الآدمية في شعورها وأحاسيسها :
وأحبـــــها وتحبنى******ويحب نـــــاقتها بعيرى

ولقد شربت الخمر بالخيل** الانـــــــــاث وبالذكور
بقى عليّ أن أشركك بوجهة نظري ،إذ أرى كلمة ( مولاي) الواردة في عجز البيت الثامن ، أشكّ في استعمالها بالشعر الجاهلي ، لأن الكلمة شاعت بعد الفتوحات الإسلامية ، واختلاط العرب بالأعاجم ، وهي من كلمات الأضداد ،  فالمولى تطلق على العبد والسيد ، أو المالك والمملوك في عصور المماليك والمملوكات ، ولا أعني الدول التي قامت باسمهم من بعد ...!
يكفي ويفي ما سردناه عن  دَوْسَرالقُريْعيّ ، وإلى ملتقانا مع ابن زريق البغدادي وواحدته الفريدة الخالدة في الشعر العربي...!!    
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع : شبكة  العراق الثقافية  
http://www.iraqcenter.net/vb/showthread.php?t=52011
(2) (ما أخذه العرب من اللغات الأخرى) :   د.مسعود بوبو - موقع ستارتايمز 
 http://www.startimes.com/?
  (3) الأصمعيات      - مصدر الكتاب : موقع الوراق  (3) الأصمعيات : الأصمعي - 1 / 8 - 9
 http://www.alwarraq.com
 وتجدها في (خزانة الأدب) : عبد القادر البغدادي  4/ 366

(4) معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > الأصمعيات : معاني بعض الكلمات كما أوردها المعهد :
http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=15077#.VxCG3Hpk9-w
دِ  1 - خلق الغمد : أراد الغمد الخلق أي البالي، فأضاف الصفة للموصوف.
4 - السربال: القميص. الأغيد: المائل العنق اللين الأعطاف. الذفري: العظم الشاخص خلف الأذن أراد أنه يرد شعره إلى ما وراء أذنيه.
 5 - عدان: موضع.
 6 - يخاطب ناقته، يقول: بي مثل ما بك من حنين ووجد.
 8 - يريد بالمولى القريب أو الحليف. الحد: الحدة والغضب. يقول: إنه ينصر قومه لا يريه منهم مناصرة أو عونًا على ما ينوبه من الحقوق.
11 - نخوات: جمع نخوة، وهي العظمة والكبر والفخر. جاذبت حبالى: أي جاذبته حبالى. علابى: في حاشية الشنقيطية «جمع علباء: عرق في العنق». أراد بذلك أنه أذله وأخفضه.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق