أعياد النصر 1/ هادي حمودة

الجزء الأول: الاستراتيجية و العقل
قد يبدوا موضوع مقالي هذا خياليا و طويلا للبعض، لكن على أية حال هو ملخص بحث أطول من ذلك و على كل حال أود أن ألفت نظر القارئ إلى أني قرر تجزئة المقال لعدة أجزاء يمكن متابعتها لاحقا.
 بمناسبة حلول شهر مايو و هو الشهر الذي شهد  تاسعه استسلام ألمانيا النازية الذي أنهى الحرب العالمية الثانية على الجبهة الأوروبية و أفضى إلى احتلال ألمانيا و تقسيمها إلى ألمانيا الشرقية التي احتلها السوفييت و ألمانيا الغربية التي احتلتها القوى الغربية الرئيسية ثم بناء ما عرف بجدار برلين و الحرب الباردة.
إلا أني و بمناسبة حلول هذا الشهر و يومه التاسع و احتفالات يوم النصر في العديد من الدول  أود مشاركتكم بعض الأفكار التي قد تكون مغايرة تماما لما تعلمناها في مدارسنا و المدارس الغربية، و لما تعودنا سماعه و مشاهدته في الإعلام الشرقي و الغربي، و هو ببساطة أن تلك الحرب الضروس التي راح ضحيتها أكثر من الثلاثين مليون بشري حسب أقل التقديرات، أو أضعاف ذلك و هذا هو الأقرب لما أعرفه كانت بسبب عنصرية هتلر و طموحه المجنون. فكرتي بسيطة إلا أنها مبنية على واقعنا الذي نحياه اليوم أو على مطابقة أو حتى مقارنة ما يحدث حاليا على الساحة العالمية بما قد يكون قد حدث في تلك اللحظة، و على بعض الأدلة التاريخية التي لا تزال تشكل تناقضا قويا لما يروج  عن حقيقة تلك الحرب، و أسبابها، و عقلية هتلر و النازية و ما إلى ذلك.
ببعض المقارنات البسيطة لما يحدث حاليا على أرض الواقع من صراعات عالمية مدارة و مختلقة بفعل القوى الرأسمالية العالمية و الشركات العابرة للقارات التي لا أحد يجادل على كونها تحكم العالم و هي من تصنع صناع القرار في العالم الغربي "الديموقراطي" ، و بمقارنات قمت بها بين الآلة الإعلامية الغربية الجبارة في ذلك الوقت و وقتنا الحالي، و بما يحدث حاليا من محاولات لتشويه الإسلام و المسلمين، و تصويرهم على أبشع الصور العدائية، و من قبلهم الإتحاد السوفيتي و الشيوعية و الإشتراكية، على الرغم من الدعم المباشر الذي تلقاه السوفييت من الولايات المتحدة التي هي معقل الرأسمالية الحالي لكي يصمد الإتحاد السوفيتي في حربه ضد النازية! و هناك عدة نقاط محورية أود أن أتوقف عندها معكم بسرعة و هي نقاط تشكل أهم الركائز التي قد تكشف أن ألمانيا النازية و بالرغم من عنصريتها و بشاعتها لم تكن بأبشع من القوى الرأسمالية الغربية ذاتها حتى وقتنا الحاضر و لم تكن بأبشع من القوى الاستعمارية الغربية التي سادت قبل الحرب العالمية الثانية، و هذا يشكل في وجهة نظري نقطة أو طعنة قد تكون قاتلة لكل ما يريدنا الغربيون أن نردده، أو نؤمن به لأنهم هم من انتصر و هم أنفسهم من قالوا أن "المنتصر هو من يكتب التاريخ".
الأسباب:
هناك العديد من النظريات التي تلقى الضوء على أسباب اشتعال ذاك الصراع الجبار و بعيدا عن مجريات الأمور و كيف تحديدا سارت ، و عن من احتل من كما هي الحكاية التي تروى في كل كتاب، إلا أن كل هذه النظريات بصورة مباشرة أو غير مباشرة  و في نهاية المطاف تربط الأسباب بعقلية هتلر نفسه و التي هي شخصية معقدة و غير سوية حسب كل النظريات و المنظرين بل و مختلة، و قد يكون هذا صحيح و لو جزئيا إلا أننا سنناقشه في إحدى النقاط التالية.
شخصيا، أتصور أن الأسباب لم تكن لمجرد هوس  إمبريالي استعماري اجتاح عقل هتلر أو حتى بدافع عنصري بحت كما يتصوره البعض، على الرغم من أن الهوس العنصري قد تم توظيفه و لكن لم يكن أكثر من الدافع و الأداة المحفزة للقتال، كما انه في كواليس السياسة و صناعة القرار لا تصنع الأمور بهذا الشكل. إنني أؤمن أن ما كان يحدث في الكواليس - التي لن نتمكن من كشف وثائقها بصورة كاملة و محايدة، إما لضياع، أو تدمير الوثائق عمدا أو عرضيا لظروف الحرب و الاحتلال و التدمير الشامل لألمانيا – هو أولا، هتلر و الحزب النازي لم يكونا على وفاق مع الأيديولوجية الرأسمالية الغربية و الإمبريالية الغربي و التي أعتقد أنهم رؤوا أنمها خطرا على ألمانيا التي خاضت الحرب العالمية الأولى من قبل لمحاولة إزاحة تلك القوى عن الساحة لإيجاد مساحة لنفسها لكي تتمدد اقتصاديا في حين أنها لم تكن على نفس الدرجة من الجبروت الاستعماري، و كانت قد سئمت الإدارة الألمانية من سيطرة بريطانيا العظمى و فرنسا المطلقة على الخطوط اللوجيستية للتجارة العالمية و لم تجد ألمانيا لنفسها مكانا في هذا العالم مع إحساسها المتنامي بالقوة الاقتصادية و الصناعية، فلم يكن هناك بدا من محاولة صياغة نظام عالمي جديد تكون فيه ألمانيا شريكة على أقل تقدير. ثم انتهت الحرب العاللمية الأولى بهزيمة ألمانيا دون تدميرها لكن بهزيمة مذلة إلى حد كبير، أفضت إلى احتلال فرنسا جزءا من أراضيها و تحديد عدد الجيش الألماني و تسليحه، لتدخل ألمانيا في صراعات داخلية عنيفة و لتصبح على وشك الموت جوعا مع تباطؤ الاقتصاد و الصناعة.
ثانيا، لم تكن الشيوعية التي باتت تضرب ألمانيا بعنف قبيل الحرب العالمية الثانية هي الحل أيضا، بل كانت تهديدا مخيفا خاصة بعد تمكن الشيوعية من أن تجد لنفسها المأوى في الإتحاد السوفيتي، و كان ذلك يعني ببساطة أن ألمانيا ستصبح التابع، و كان عليها أن تتخلى عن أية طموحات لتتواجد ككيان مستقل و فاعل على الساحة الأوروبية و النظام العالمي كما أن الشيوعية كانت ستعيق ما اعتقد هتلر أنه السبيل للخلاص من كل تلك الظروف الطاحنة،لكن أضف إلى ذلك تخلي هتلر عن طموحاته العرقية و السيادية في أروبا الشرقية التي أدرك أن الشيوعيين ينافسونه عليها. لكن الأهم من كل ذلك هو أن النازيين قد استشعروا خطر الإتحاد السوفيتي و طموحاته في أوروبا الشرقية بصورة مبكرة، و كانوا على حق فعلا، فلم تلبث الحرب العالمية الثانية أن تنتهي حتى كانت أوروبا الشرقية كافة قد تحولت إلى دول شيوعية طوعا أو كرها، بل و ألمانيا الشرقية ذاتها. و على الرغم من أن ألمانيا النازية في بادئ الأمر كانت قد وقعت اتفاقية بعدم الاعتداء مع الإتحاد السوفيتي و رضي الطرفان بالتنسيق معا على اجتياح و اقتسام بولندا، و في رأيي أن هذا كان محكا لإثبات أن الإتحاد السوفيتي كان يسعى للوقوف على بوابة أوروبا و على باب ألمانيا الشرقي، بل و كان يخطط لابتلاع أوروبا إن استطاع. ناهينا عن طريقة تعامل السوفيت مع الثورة البولندية.
إذا لم تكن الشيوعية و لا الرأسمالية الإمبريالية هما الحلان لألمانيا النازية بالرغم من كونها اشتراكية.بل على العكس يذكر و بالاطلاع على العديد مما بقي من الوثائق أو الكتب، سنجد أن ألمانيا النازية كانت في الأساس العدو اللدود للإمبريالية و الشيوعية  و كانت تسعى لإسقاطهما، و لا أقول حبا في قيم العدالة، لكن أيضا لتشكيل نظام عالمي جديد أكثر عدلا أو أفضل لألمانيا و هي نفس الطريقة التي اتبعها و يتبعها الغرب حتى الآن. إذا لم يكن الأمر مجرد عنصرية جوفاء، أو خللا عقليا انتاب هتلر، بل كانت هناك رؤية سياسية استراتيجية بعيدة المدى و اتقان للعمل المطلوب لبلوغ الأهداف، حتى و إن توشح بعنصرية مقيتة، و أزيد على هذا و أتساءل هل خلت أوروبا و الولايات المتحدة من العنصرية أو نظرة الاستعلاء حتى يومنا هذا؟ إذا ما الجديد الذي أتت به النازية أو هتلر؟
عقلية هتلر:
كي نتفهم ذلك لا أنصح بمجرد مشاهدة أفلام البي بي سي عن هتلر و كان الله بالسر عليم، بل مطالعة كافة المصادر المتاحة، و الاطلاع على مجريات الأمور و التواريخ التي شكلت عقلية هتلر، و بهذا سنعلم أن هتلر كان قد شهد الحرب العالمية الأولى، و شهد كيف أذلت بلاده، و كيف تصرف الجيش الفرنسي مع الألمان في الأقاليم التي ضمت إلى فرنسا، و كيف حاولت القوى الاستعمارية الغربية تقويض القدرات الصناعية و التجارية لألمانيا و عزلها عن االتجارة العالمية قدر المستطاع كما قلنا سابقا، و كيف أن الشيوعية و التي هي فكرة كارل ماركس في الأساس، و هو ألماني، و التي طورها البولشوفيين السوفييت مثل لينين، ما كانت إلا لتنتزع هوية ألمانيا الثقافية، و ما كانت ستجعل من ألمانيا القوى العظمى المسيطرة و المتحكمة، و كانت هي أحد التهديدات المباشرة لألمانيا في الحقيقة حتى و إن برر النازيين عداءهم على صورة عنصرة تزدري الجنس السلافي ، إذا لم يكن هناك بدا من إعادة صياغة النظام العالمي من وجهة نظرهم لكي تسود ألمانيا النازية. و من أجل ذلك كان لابد من بذل الجهد الشاق للوصول لسدة الحكم و لتنشيط الاقتصاد بصورة سريعة، و هذا ما نجح فيه هتلر الذي في رأيي تأثر بأفكار بيسمارك في انشاء ألمانيا "قد الدنيا" لكن كل على طريقته. بالفعل نجح "الفوهرر" في تحويل ألمانيا من دولة تضربها المجاعة و البطالة، إلى دولة صناعية غير إمبريالية فاقت بصناعاتها العسكرية و المدنية الدول الاستعمارية العظمى و الولايات المتحدة المتصاعدة في ذلك الوقت بل و أذهلتهم، و كل ذلك في بضع سنين!
إذا لا أستطيع أن أقول أن شخصا كهتلر كان شخصا مختلا بل شخصا قد يكون كارها، أو حتى حاقدا، لكن ذكي و بعيد النظر و له نظرة استراتيجية، و يعلم جيدا كيف يحرك الجماهير و يتواصل معهم بل و يؤثر فيهم و عليهم إلى حد الطاعة حتى و لو استخدم أدوات مثل العنصرية، أو القومية، و لكن من الواضح لي جليا أنه فهم المزاج الألماني العام بعمق و الرغبة في تغيير حالة الذل و الضياع التي حلت بقومه، لذا فقد استغل تلك المفردات و التي ما كانت لتنجح إن لم تكن متواجدة في وجدان الأمة بصورة أو بأخرى في تلك الفترة، و إلا ما كانت لتجد أي صدا مؤثرا لها. إذا فأنا أعتقد أن هتلر تم و يتم تشويهه عمدا حتى هذه اللحظة، لأنه ببساطة كان الوحيد الذي شكل تهديدا حقيقيا ملومسا على النظام العالمي الموجود، بل و الوحيد الذي قدر على غزو و تحطيم أعماق الدول الاستعمارية نفسها و الرأسمالية نفسها بما هدد بفانئها، و للحق نقول أنه حتى و إن كان قد خسر الحرب إلا أني أرى أن نهاية فكرة الاستعمار بشكله التقليدي كانت قد بدأت تموت أو ماتت بالفعل بفضل الحرب العالمية الثانية كأحد العوامل الهامة و إن كانت ليست العامل الوحيد لتحل محلها "النيوامبيريالية" حاليا.
لم يكن هتلر بأسوء منهم جميعا بل كان أجرأهم و أشجعهم في ظلمهم، و سلط قوته و ذكائه على رؤوس الحية بدلا من أذيالها، فأذاقهم بعض ما أذاقوه للعالم لذا فقد أصبح الشيطان الأعظم من وجهة نظرهم و كان لا بد من تحطيم صورته و تحطيم أفكاره كجزء من الحرب الدعائية و النفسية على ألمانيا لحماية أنفسهم، إلا أن الفرق الوحيد بين هتلر و أفكاره و الغرب الامبيريالي أو النيو-إمبريالي حاليا هو أن هتلر خسر الحرب و هم ربحوها، لذا لن يمكننا أن نغير الصورة السائدة حاليا، لكن بمقارنات بسيطة بين حقيقة مايحدث ضد الإسلام اليوم و المسلمين من تشويه متعمد و مغلوط، سنفهم بسرعة أن نفس الأمر كان قد حدث ضد الشيوعية و الاتحاد السوفيتي و يشهد على ذلك كل من عاصر الحرب الباردة، فببساطة لماذا لم تكن نفس اللعبة بنفس معطياتها تلعب ضد هتلر و ألمانيا في ذلك الوقت، أمستغرب هذا؟ ألم يصف الساسة الأوروبيون هتلر بالرجل الذكي، و المتفاهم قبل نشوب الحرب؟ ألم يغمضوا أعينهم عنه عندما اجتياح تشيكوسلوفاكيا و ضم النمسا من قبلها رسميا؟ ألم يوصف بالبارع في الإعلام الغربي الذي نهض بالألمان من الحضيض إلى قمة التطور الإقتصادي "قبل الحرب طبعا" و عندما لم تشكل الصناعة الحربية الألماني تهديدا عليهم؟ أليس تناقضا هذا؟ ألم يكن الإسلام و المسلمين هم حلفاء الغرب و أصدقائه المتدينين الذين يقوفون صفا واحدا في وجه الشيوعية الكافرة و الإتحاد السوفيتي خاصة في أفغانستان؟ أين القاعدة الآن و كيف يوصف عامة المسلمين و كيف يتعامل معهم و ينظر إليهم الغرب حاليا و إعلامه؟ فلنقارن ببساطة و نجيب على الأسئلة السابقة و سنعلم أن ما فعل بهتلر هو ما فعل بالاتحاد السوفيتي و بالمسلمين. إذا فعلينا أن نتريث قليلا و علينا أن نعيد قراءة التاريخ بصورة محايدة حتى و إن لم تعجب من يكتب التاريخ حاليا.
                                                                                                                             يتبع

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق