شعــراء الواحــدة،وشعراء اشتهروا بواحدة 1/ كريم مرزة الأسدي

الحلقة الأولى (المقدمة )
  من هم شعراء الواحدة ؟ هل هم الشعراء الذين خلّفوا لنا قصيدة يتيمة واحدة شهرتهم ،  فاشتهروا بها ، وسلّمتهم صكوك الخلود ، ولم تكن لهم قصائد أخرى ، كتوبة بن الحمير، و مالك بن الريب ، وسحيم عبد بني الحسحاس ، وابن زريق البغدادي ، والمَنخًّل اليشكري، و دوقلة بن العبد المنبجي ، أم نضمً إليهم مَن يملكون ديواناً ، كعمرو بن هند  ، وطرفة بن العبد ، وأبي الحسن التهامي ، والطغرّائي والحصري القيرواني ،  وغيرهم ، ممن ذاع صيتهم ، وسجّلهم التاريخ الأدبي في سجل الخالدين بقصيدة عصماء واحدة  من قصائدهم ، لولاها لطواهم النسيان مع من طوى ، أو كاد !!
 لا ريب أن ابن سلام الجمحي ( توفي 232هـ /  847 م) ، هو أول من دوّن مصطلح ( شعراء الواحدة ) في مؤلفه النقدي القديم القيّم ، والأول في تاريخ الأدب العربي في هذا المجال ، ألا وهو : ( طبقات فحول الشعراء ) ، ولكن على ما يستدل من تدوينه ليس هو أول من أطلق  هذا  المصطلح على الشعراء ، وما كان يريد بـ ( الواحدة ) الحصر ، وإنما التغليب لشهرة قصيدة واحدة ، وخلودها على ألسنة العرب  ، اقرأ معي ما يقول عن الطبقة السادسة في ( طبقاته ج 1 / ص 151 - 153 )  موجزين :
 الطبقة السادسة : أربعة رهط لكل واحد منهم واحدة ، أولهم عمرو بن كلثوم بن تغلب ، وله قصيدة التى أولها :
 ألاهبّى بصحنك فاصبحينا ***  ولا تبقى خمور الأندرينا
 والحارث بن حلزة بن يشكر ،وله قصيدة التى أولها:
 آذنتنا ببينها أسماء *** ربّ ثاوٍ يملّ منه الثواءُ
وله شعر سوى هذا .
وعنترة بن شداد بن عبس ، وله قصيدة وهى :
دار عبلة بالجواء تكلمى ... وعمى صباحا دار عبلة واسلمى
وله شعر كثير إلا أن هذه نادرة فألحقوها مع أصحاب الواحدة .
 وسويد بن أبى كاهل بن يشكر بن بكر ، وله قصيدة أولها
 بسطت رابعة الحبل لنا ... فمددنا الحبل منها ما اتسع
وله شعر كثير ولكن برزت هذه على شعره.
 نقلتُ إليك  هذا النص المجتزأ  من (الطبقات الجمحية ) ، لأشير لنقطة مهمة ، لم ينتبه إليها النقاد ، ممن وقع بصري على كتاباتهم عن شعراء الواحدة ، تتضمنه هذه العبارة في معرض كلامه عن عنترة وقصيدته: " وله شعر كثير إلا أن هذه نادرة فألحقوها مع أصحاب الواحدة ."
من هم الذين ألحقوها مع أصحاب الواحدة ؟!!
إذاً ليس هو أول من أطلق هذا المصطلح ، بل كان شائعاً بين جماعة من الأدباء والرواة ، ويعود إليه فضل التدوين ، تذكرني هذه العبارة الجمحية لقول امرئ القيس :
عوجا على الطلل المُحيل لأننا *** نبكي الديار كما بكى ابن حِذامِ
من هذا ابن حذام الذي سبق امرئ القيس بالبكاء على الديار ؟!! لا ندري ، ولا المنجم يدري...!! والعقبى جرى الشعر في مجراه ، وسار( شعراء الواحدة ) من بعد على خطاه ....   
 والمهم نستطيع أن نجتهد نحن  بمفهومين لهذه الإشكالية ، المفهوم  الأول ( شعراء الواحدة) ، وهم أصحاب القصيدة الوحيدة الباقية لهم  التي اخترقت كلّ العصور بوهج شديد ، لم تستطع الأيام أن تخفت إشعاعه  الخارق، لأنه انعكاس عن خوالج نفس متألمة ، متغربة عن ناسها المعاصرين ، أو غريبة عن مكانها الأمين ، أو داهمها الموت الرهيب على غير موعد قريب ، أو رمتها زينة الحياة بسهم الممات ، وما نالت منها إلا البؤس والحرمان ، وبث الشكوى المريرة ، وما في الوجدان !!! ومع ذلك كلّه من المحال أنّ هؤلاء الشعراء قد نزل عليهم الإلهام الشعري دفعة واحدة  بزخم الخلود ، وانقطع عليهم أو عنهم  بقدرة قادر من قبل ومن بعد ، الشعر موهبة وراثية ، وثقافة حياتية ، وتعليمية متدرجة ، تتراكم في النفس الشاعرة بوعيها ولا وعيها ، ولا بد لها أن تفيض بشكل من الأشكال إبان الخوالج المتألمة الحزينة ، أو لحظات النشوة المتلذذة ، ولكن انقرضت ، لعدم اهتمام الرواة بها ، أو كان الروي ضعيفاً ، ضاع من بين الألسن ، فأكلته الأيام !!!
  وربما  يتنازع عدة شعراء على هذه الواحدة الواحدة ، وقد تتداخل أبياتها مع أبياتٍ من قصيدة شاعر آخر حسب ذاكرة الرواة ، وقابلية حفظهم ، وأمانة نقلهم ، ولا يمكننا أن نلوم الرواة على رواياتهم الضعيفة ، والمتعددة سيان على مستوى صحة نسب القصائد الواحدة لقائليها الأصليين ، أم سلامة أبيات كلً قصيدة  كما جاءت على لسان شاعرها الحقيقي ، لأن معظم شعراء الواحدة غير مشهورين في عصرهم ، فلا  هم من المتنفذين ، ولا  من وجوه المجتمع ، ولا  من أصحاب السلاطين وجلساء بلاطاتهم ، وهذه هي المراكز الإعلامية التي تشع منها الأخبار ، وتنتشر على الآفاق ، فتصبح على كلّ لسان ، وتصك سمع كل آذان !! ، بل قد تراهم من الموسوسين ، أو المكدين ، أو الصعاليك ... ولكن هذا لا يُبرئ ذمّة كلّ الرواة ، فهنالك من ينحل الشعر ، ويحرّفه  ويضيف إليه ، ويرتزق به  كحماد  الراوية ...!! 
والمفهوم الثاني (شعراء اشتهروا بقصيدة واحدة)  ، أي ما كانت قصيدتهم الفريدة المخلّدة إلا مائزة عن بقية قصائدهم ومقطوعاتهم  ...!! والناس تعشق كلّ جميل 
   ومن وجهة نظري ، هذا المصطلح ، لا يمكننا أن نطلقه على شاعر معاصر على قيد الحياة ، كما يرتأي بعض الكتاب ، لأن ربما في لحظات الموت ينظم الشاعر  قصيدة على أروع ما يكون، فتشطب على كل ما كان من نظمٍ فتان ، قالهى الشاعر نفسه الفنان !!  كما  خلجت به نفس  مالك بن الريب آخر أيامه  ، فرثى نفسه ، وأبكى  وجدانه ، وقد نجتهد أن نحسب شاعراً مشهوراً من أصحاب (اشتهروا بواحدة) ، ولم يشر إليه أحد من قبل  ، وأنا - ولا أدري أحداً سبقني - أعدُّ أبا الشمقمق منهم لقصيدته الشهيرة : (برزت من المنازل والقبابِ).....
خلود الذكرى في هذه الدنيا حظوظ وقسم  ، تذكرت قول حافظ إبراهيم :
  فإذا رزقت خليقةً محمودةً **** فقد إصطفاك مقسم الأرزاقِ
فالناس هذا حظه مال وذا ***** علمٍ وذاك مكارم الأخلاق
لا تعرف الدنيا كيف تسير ؟!! هل أنت تحسب كل من خُلقوا عباقرة  عمالقة في هذه الدنيا على امتداد تاريخها ، برزوا ، وخلدوا ؟!! كلاّ وألف كلّا ، هنالك أضعاف ممن سحقهم الدهر ، وناسه ، لأنهم ولدوا في زمانٍ غير زمانهم ، ومكان غير مكانهم ، فالأيام الأخرى ، تتطلب صفاتٍ أخرى ...إلى أين أريد أن أصل ؟!!! أقول ليس بكثرة القصائد ، وغزارة الشعر ، والإفاضة في الإطالة يخلّد  الشعر والشاعر ، ربّما تأكل التخمة الدرّة ، وعندما يغربل النقّاد  يفوت عليهم الفتات ، والشعر ذوق وفن وإحساس ، يقول الناشىء الأكبر عن شعره :
يتحيرُ الشعراءُ إنْ سمعوا بهِ ***في حُسن ِ صنعتهِ وفي تأليفــهِ
شجرٌ بدا للعين ِحُســـنُ نباتهِ ***ونأى عن الأيدي جنى مقطوفهِ
نكتفي بهذه المقدمة ، لندخل بزيارة حضرة الشعراء للواحدة لهم ، أو بواحدة ندرت منهم ...!!! ولله أمرهم وأمرنا ، وإنّ غداً  لناظره قريبُ .

 تنبيه إلى من يهمه أمر التنبيه...!! شكراً ...عذراً ... علماً ، وللثقافة أيضاً...!!   
شكرأ لموقع مؤسسة  النور النير على نشرها مئات المقالات والبحوث والقصائد لكاتب هذه السطور ، ولمنحي الأول من بين كتابها الزملاء هالتها الأولى الغالية الثمينة ، وعذراً  لها  وللقرّاء الكرام عن مواصلة النشر على صفحاتها العزيزة على قلبي مؤقتاً  لتخمة  ما كتبت ، علماً أن بعض نصوصي الأدبية  كانت الأعلى قراءةً ، وبفارق كبير، على كلّ نصوص كتّابها وشعرائها .

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق