بطرس غالي (الجد) المتهم بالخيانة/ لطيف شاكر

يعلم الله أنى ما أتيت أمرًا يضر ببلادى .. لقد رضيت باتفاقية السودان رغم أنفى وما كان يمكن أن أعترض   …..بطرس غالي عند احتضاره
: في كتابه تراجم مصرية وغربية كتب  د.محمد حسين هيكل
     اٍنه  السياسي الذي يعمل لتلافي الاصطدام بين اندفاعات الشعب وبين القوس الغالبة في مصر..والذي يزن القوي ويفاضلها ويعمل للوصول اٍلي خير مايمكن أن تصل أليه بلاده..كانت حياته كلها  حياة وساطة سياسية ضرورية ومنتجه . ولم يكن بطرس باشا متعصبا لابناء طائفته تعصب عداوة لأغلبية البلاد الدينية , ويؤيد ذلك أنه لما أنشأ الجمعية الخيرية القبطية في سنة 1881 كان من بين الخطباء يوم افتتاحها الشيخ محمد عبده والشيخ محمد النجار وعبدالله النديم وغيرهم . واٍنه كان بعد ذلك عظيم الوفاء لكثيرين من أصدقائه المسلمين , وكان كثيرا مايقض حاجات أفراد المسلمين من غير أن تكون له بهم  معرفة كبيرة  مثل ابناء طائفته . وخير ماسمعناه عنه أنه كان يتوافي للأقباط جميعا كما يتوافي للمسلمين , واليه يرجع الفضل في فتح أبواب الوظائف العامة للاقباط أسوة بالمسلمين .
كان بطرس غالي يري أن  من الخير لوطنه أن يصالح الانجليز وأن الثورة ضد  الانجليز لا تجدي , وحتي اذا نجحت الثورة فلن تعني غير العودة الي الحكم التركي الفاسد , الذي اتسم بالفوضي  والرجعية والذي قال   لم تحصد مصر من ورائه طوال الثلاث قرون سوي التأخر والجمود والانحطاط في كل الميادين , أي أنه كان مقتنعا بأن سياسة التدرج خير من سياسة المواجهة , التي قد تقلب الاحتلال الغير شرعي الي استعمار شرعي , لاسبيل الي مقاومته , وكتب في احدي مقالاته  "أنه لايوجد حل واحد للقضية المصرية ولكن أشك في قبوله وهو ترك مصر للمصريين أنفسهم "   .
اخذ علي لطفي السيد انه عندمارحل كرومر عن مصر اجزل عليه  الثناء ولم ينتقد حكمه الا علي استحياء  واخذ عليه  وعلي غيره انهم اشتركوا في تكريمه او دعوا له
وفي هذا يرد لطفي السيد عليهم بهذه العبارات التي نؤثر نقلها بنصها لانها  تدل علي  موقف مماثل  لبطرس غالي الذي اتهمه البعض بالخيانة والعمل لحساب الانجليز فقال :
 الانجليز بالأمس هم الانجليز اليوم وهم الانجليز غدا ..ومازال اصحاب الحاجات يؤمون قصر الدوبارة (السفارة البريطانية) ومازالت الجرائد تنشر الكتب المفتوحة والمقالات الضافية فيها مطالب الأمة لعميد الاحتلال , فلا يقع في الوهم أن وراء الأكمة ماوراءها من تبدل الاحوال واحياء الآمال وبوارق الاستقلال ..وسياستنا مع الانجليز لاتخلو من أحد وصفين : اما سياسة عناد وعداء, واما سياسة مسالمة لااستسلام , ولاشك ان سياسة المعاند عميقة , اذ كيف يقبل المعاند  من المعاند حسابا علي اعماله , بل كيف يرجو العدو من العدو المجاملة في المعاملة , ومن هذا النوع يكون اهتمام العقلاء بالاحتفال بوداع اللورد كرومر ..كتاب ادب المقالة الصحفية في مصر للدكتور عبد اللطيف حمزة ص80
يرجع الي بطرس غالي فضل تعليم المصريين قيمة العمل الهادي المنظم الذي يرمي الي خير الوطن عن الدعاية والكلام الكثير ,كما أشعر المصريين بضرورة تعاون المسلمين والمسيحيين معا لخير مصر فكان موضع تقدير من المسلمين المعتدلين وزعمائهم أمثال الشيخ محمد عبده والشيخ محمد النجار وعبدالله النديم .
عندما كان وزيرا للخارجية وقع معاهدة السودان  التي جعل انجلترا شريكا لمصر في ادارة السودان والتي اعتبرت خيانة للوطن , علي الرغم من أنه لم توجه كلمة عتاب الي رئيس الوزراء مصطفي فهمي في ذلك الوقت باعتباره المسئول الاول عن الوزارة.
و من الأمور التى أخذت عليه رئاسته لمحكمة دنشواي، وكانت ذريعة لمهاجمته واتهامه بممالأة الإنجليز، وبنظرة متمعنة في الحادث وتفاصيل المحاكمة تتضح الكثير من الحقائق التى غابت عن دور بطرس باشا غالى في المحاكمة، أهمها أن دور بطرس غالى كان شكليًا حيث عقدت المحكمة المخصوصة برئاسة بطرس باشا غالى بصفته قائمًا بعمل ناظر الحقانية، فإن القدر وضعه في رياسة هذه المحكمة نتيجة لظروف إدارية بحتة وهى غياب ناظر الحقانية آنذاك.
وكانت المحكمة مشكلة من بطرس غالي واثنين مستشارين مسلمين منهم فتحي زغلول الاخ الاصغر لسعد زغلول  وبالنسبة لاحكام الاعدام تكون باغلبية الاعضاء وكان يمكن ان يتصدا المستشاران المسلمان لحكم الاعدام ,  لكن كان  الحكم سياسى أملته السلطة الإنجليزية التى أمرت بإرسال المشانق إلى دنشواى قبل أن يصدر الحكم. ولم يكن دور هيئة الدفاع عن المتهمين نفى التهمة عن المتهمين أو التقليل من عددهم وإنما حاولت تخفيف حدة الاتهام من القتل العمد إلى ضرب أدى إلى الوفاة , 

الحفاظ علي سيناء
ومن اعظم المواقف الوطنية  التي قام بها هذا الرجل العظيم الذي يرميه بعض المؤرخين بالخيانة ومسايرته للانجليز في كل مشروع , فعندما قامت الحكومة  البريطانية بصدد مشروع استرداد شبه جزيرة سيناء الي تركيا واوصت هرتزل بالمضي فيه بل ساعدته علي ارسال القضية اليهودية وخاصة بعد فتح قناة السويس , ولكن وطنية هذا الرجل وموقفه المتشدد اوقف كل هذا وانتهت الازمة في مايو 1906 علي بقاء القديم علي قدمه واحتفاظ مصر بشبه جزيرة سيناء تحت سيادة مصر
علما بان الحزب الوطني ومن ورائه مصطفي كامل لم يتردد في تأييد الباب  العالي
معاهدة السودان
الح كرومر علي بطرس غالي بصفته وزيرا للخارجية عقد معاهدة  السودان  فاستمهله شهرين يستشير فيها البابا العالي صاحب السيادة علي مصر  وقام بطرس غالي باطلاع الخديوي ومجلس النظار(الوزراء) وعلي راسهم مصطفي فهمي باشا رئيس النظار
مر الشهران وطلب كرومر بالتوقيع علي المعاهدة  والبابا العالي اصم اذنيه رغم البرقيات المتعددة التي ارسلت اليه  لانه يريد ان يربك الخديوي انتقاما من اعمال جده ابراهيم باشا  واستفتي بطرس غالي الخديوي والمجلس فخولاه التوقيع علي المعاهدة فوقع عليها بعد  تصحيح محتواها بحكمة  اوقع انجلترا في رفض عصبة الامم في الموافقة علي  المعاهدة لانها شركة بالادارة لابالملكية 

مشكلة الازهر
استطاع بطرس باشا غالي حل مشكلة الازهر عاد 1909 حتي ان الحكومة لما صممت علي اغلاق الجامع الازهر قال لايمكن أبدا أن يحدث في عهدي أن يمس الأزهريين بسوء
ثناء شيخ الازهر  والخديوي عليه
ومما هو جدير بالذكر أنه عندما كان بطرس غالي علي سرير الموت بالمستشفي وقف شيخ الأزهر سليم  البشري -والذي كانت تربطه علاقة قوية به – وهو يقول : قليل من المسلمين فعلوا لبلادهم مثل هذا المسيحي الطيب .
ولما وقف الخديو عباس حلمى الثانى على هذا النبأ بلغ منه التأثر ومن رجال الحاشية مبلغه نظرًا لما كان يتمتع به بطرس باشا من ثقة الجناب العالى ومحبته له، وأصدر سموه أوامره في الحال تليفونيًا إلى فتحى باشا زغلول باتخاذ جميع الوسائل الممكنة بكل سرعة للعناية به، وقد زار سموه بطرس غالى، ودخل عليه في غرفته وقبله في وجهه والدموع تملأ عينيه،
و قبل وفاته نطق بطرس غالي بآخر عبارات له يبرئ نفسه من التهم التي وجهت إليه قائلاً: ” يعلم الله أنني ما أتيت ضرراً ببلادي، و لقد رضيت باتفاقية السودان رغم أنفي و ما كان باستطاعتي أن اعترض عليها. إنهم يسندون إليٌ حادث دنشواي، و لم أكن منها و لا هي مني، و يعلم الله أنني ما أسات إلي بلادي”.
ودافع محمد حسين هيكل عن بطرس غالي في كتابه تراجم مصرية وغربية )دفاعا جاوز حد الانصاف الي التعاطف اشاد فيه بشخصيته الوطنية واسهاماته الكثيرة وقام بتحليل رأي خصوم بطرس باشا  في الاحداث التي شارك فيها مثل اتفاقية السودان 1989 وحادثة دنشواي 1906 وقانون الصحافة 1909 موضحا الدور الذي قام به بصفته الوظيفية
ويستطرد قائلا :كانت شخصية بطرس باشا غالي وكفاءته  الظاهرة الي جانب قبطيته كانت سببا في الهجوم عليه وصلت الي حد اغتياله في عام 1910
 اسرة غالي اكبر دليل علي براءته
نجيب بك غالي  لعب دوراً مهماً في ثورة 1919 وشغل منصب وزير الزراعة في وزارة عدلي يكن باشا في مارس 1921. وكذلك  ابنه الثاني واصف بطرس غالي  كان عضواً في الوفد المصري الذي سافر إلى باريس بعد اشتعال ثورة 1919، ثم اعتقل في 25 يوليو سنة 1922، ضمن أعضاء الوفد المصري، بتهمة الحض على كراهية الحكومة، وحكم عليه بالإعدام وخفف الحكم إلى السحن لمدة سبع سنوات، ثم أفرجت الحكومة عنه مع بقية المعتقلين في مايو سنة 1923 بعد تزايد السخط الشعبي. ولما تألفت وزارة الشعب برئاسة سعد زغلول كان واصف وزيراً للخارجية بها، كما شغل منصب وزير الخارجية أربع مرات أخرى. هذا إلى جانب وثائق أحفاده: مريت نجيب غالي، وواصف يوسف غالي وبطرس يوسف غالي، ود.بطرس غالي سكرتير الامم المتحده الاسبق ونائب رئيس الوزراء الذي افتقدته مصر اليوم علما بارزا في تاريخ مصر . 


وقد تبارى الشعراء فى رثاء الفقيد خاصة أمير الشعراء أحمد بك شوقى ، الذى رثى الفقيد بقصيدة مطلعها : "قبر الوزير تحية وسلاماً.. الحلم والمعروف فيك أقاما .. ومحاسن الأخلاق فيك تغيبت .. عاماً وسوف تغيب أعواما .. قد كنت صومعة فصرت كنيسة .. فى ظلها صلىّ المطيف وصاما .. القوم حولك يا ابن غالى خشع .. يقضون حقا واجبا وزماما .. والرأى للتاريخ فيك ففى غد .. يزن الرجال وينطق الأحكاما

امشير / فبراير

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق