الثقافة العربية جعجعةٌ بلا طحين،والعراقية ضيّعت المشيتين/ كريم مرزة الأسدي

" وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ "

مقطع من قصيدتي  " يالعبة الأقدار...!!" ، أكرره حتى الثمالة ...!! : 

عَرَقٌ ،عِصَارَةُ فِكْرِنَا مـِنْ رَيِّهِ **** وَرَدَتْ ، فَـدَكّتْ خُــدْعَةَ الْمُتَبَلَّدِ
يَا نِصْفَ قَرْنٍ صَدَّ مِنْ كَيْدِ العِدَى*** كَيْ تَقْفِزِيْ فَوْقَ الدُّجَى الْمُتَلَبِّدِ
فَتَثَقّفَي بِالْهَابِطـَاتِ ، فَمَنْ دَرَى*** زَهْوُ الجّهُوْلِ يَضِيءُ مِمَّا يَرْتَدِي؟
يَا لُعْبةَ الأقْدَارِ لَا تَتَــرَدّدِي ***** زِيْـــدِي بَلَاءً مـَـــا بَدَا لَكِ وَانْكِدِي
 وَتَهَـوَّرَي مَا شِئْتِ أَنْ تَتَهَوَّرَي*** صُبِّي جَحِيْمَاً وَابْرَقي ثمّ ارْعـــدي
بِيْعِي الشّهَامَةَ وَالْمُرُوْءَةَ وَابْخَسِي** وَبِصَوْلَةِ الْأشْرَارِ قُومِي وَاقْعُدِي
لَاتَخْتـَـــــشِي مِنْ دَهْرِكِ مُتَقَزِّمَـــاً **** فَإذَا كَبــا قَزَمٌ بِحَــوْلِكِ صَعَّدِي

موضوع الثقافة العربية موضوع شائك ومتشعب ، كتب عنه كتـّاب العرب الكبار وفلاسفتهم ، منذ نيف وقرن من الزمان المعاصر البالي !  إذ لا مدلول لهذا المصطلح بشكله الموسع  عند العرب والمسلمين في العصور الخوالي ، أخذ المعاصرون يطرحون موضوعات عديدة ، لك ما تشتهي منها ، وما لاتشتهي ! ( الهوية الثقافية )... (الغزو الثقافي )...(الأمن الثقافي )...(التنمية الثقافية )...( الطبقات الثقافية )...( الأستلاب الثقافي )... ، ناهيك عمّا ألفته الخاصة والعامة من إلصاق  الثقافة على معظم الأمور الحياتية  ( الثقافة السلوكية )...( الثقافة الصحية )...(الثقافة السياسية )...(الثقافة الشعبية  )... (الثقافة النسوية )...الخ ، ولك أن تضيف عليها ما جاء بها هذا العهد العجيب الغريب !! ( الثقافة المتأسلمة) ، و( الثقافة المنافقة ) ، ( والثقافة اللصوصية) ، و( الثقافة التحريكية) ، و( الثقافة التسقيطية) ، عفوا فقط ( ثقافة سلطوية ) ، و( ثقافة تمسيحية ) ، و( ثقافة ارتزاقية) ...غير موجودة بعراق اليوم  !!

 نعود لما سبق السخر بالعهر ، والسخر يقرن بنقيضه الجد ، كما كنب المرحوم ابن زيدون  رسالتيه ( الهزلية والجدية ) ،  والجد يقول يجب احترام وإجلال الثقافة الصادقة ، ثقافة التضحية ، وثقافة  النضال و الجهاد ، وثقافة الشهادة ، وثقافة الصدق ، وثقافة الوطنية الحقة  على درب وحدة العراق ، والدفاع عن أراضيه المقدسة ، والظروف الحالية تقتضي التنويه ، بل تستوجبه ، والله خير الحاكمين ، وهو مولانا ونعم النصير   .
  أقول عودا على بدء ، كلّ هذا وأكثر ، أسمع جعجعة  ، ولا أرى طحنا ، ثم ما  الجدوى من هذا ، دعنا عن الأكثر  ، إذا لم يحرّك ساكناً ، ولا يسكـّن سالبا ، ولا يزيد موجباً ، ولا يُعرِّف بحقٍّ ، ولا يأتي بواجبٍ ؟!  والأمور بعواقبها ، والعواقب كما ترى ، حالٌ دون حال  ، لا نحن أحيينا حضارتنا البائدة ، ولا نحن غرفنا من الحضارة السائدة ، لذلك نحتاج إلى وقفة جريئة ، ومتأملة مع الذات  الموضوعية  ، فانا أتكلم عن الثقافة بعقلها الجمعي ،  لا بالعقل الفردي ، ولا بالمردود النفعي الذاتي ،  ولا أخالك من البساطة بمكان أن  تحسب معدل ثقافة الجمع ، هو متوسط  مجموع  ثقافات الأفراد الذين يقطنون مكانا معينا في زمان محدد ، الأمر أعقد بكثير ، ولا يحسب بالحسابات الرياضية الضيقة ! فكم من مثقف واحد غيّر ثقافات شعوب بجمعها  وشملها ،  وكم من آلاف  المثقفين يتصارعون ، لا غيّروا ، ولم يتغيروا .
 الروابط الاجتماعية بإشعاعاتها الثقافية معقدة التشابك والتفاعلات والنزعات ، لقبول أو رفض ثقافة الإنسان الآخر ، وكل إنسان آخر  له ثقافة أخرى ، ولو كان الفردان توأمين متماثلين ، يعيشان في بيئة واحدة ، بل في بيت واحد وغرفة واحدة  ، فالعدد لا يحصى ، ولا أحسبك - ولا أدري منْ أنت؟ !! ،   فلعلهم يعقلون  ويتفهمون ...!!
  وعلينا أن  لا نخلط بين التعليم والثقافة  ، فالتعليم بكل معلوماته ، وعلومه  التطبيقية والنظرية والإبداعية بعض مضامين  الثقافة، تستوعبه مع المزيد المزيد ، تنهم وتستزيد  ،ومهما يكن من أمر نقول :  نعم ... نحن إلى يومنا هذا ، في وضعية ثقافية  لا نـُحسد عليها ، إذا ما  قورنت بثقافات بقية الأمم المتحضرة ، وحتى الأدنى  منها حضارة ، لا من حيث المضمون المكدوس ، بل من حيث التطبيق الملموس والمحسوس ! ، و بالرغم من وجود تفاوت نسبي بين الدول العربية في هذا المجال ، فثقافتنا  عموما - وأخص العراقية من بينها - متهمة بالتقصير ولا قصور ! وعدم الانفتاح  ، بل هي منحازة حتى التعصب الأعمى ، وعلى أعلى المستويات  القيادية والمسؤولة في المجتمع منذ عهود  وعهود ، وفي جميع الاتجاهات ، فلا يفكر مثقفنا - والتعميم غير سليم - ولو على سبيل الأستعداد  للتقارب وقبول الرأي المغاير  لمواطنه المحاور ، فكل ما يملكه وتعوّد عليه ثقافة استبدادية إلغائية  تتسم بقذف التهم للغير ،و التهم جاهزة ،  بجميع أشكالها القاسية والحادة ، وكل الاتهامات المتعددة ،  والقناعات المتولدة - في الأغلب الأعم - قد بُنيت على أوهام وأقاويل وشكوك ،  دون أي أدلة قانونية ، ولا حجج منطقية  ، ولا تجارب حياتية ،  وبلا روادع أخلاقية ، فكلكم تعرفون التنظيمات السياسية المتكتلة حول نفسها ،  والطوائف الدينية المتصارعة فيما بينها ،  والأعراق الإثنية المتقوقعة على ذاتها ،  والجهات المناطقية المتنافرة عن بعضها   ،  وقلما يخلو منها قطرعربي واحد ،  وهذه الأقطار المنعوتة بالعربية  تتجاذبها الصراعات ،  وتحاك منها المؤامرات ، سرّاً ، وأصبح الأمر علنا  بالصورة والصوت ، يتنابزون ويشهرون   ولا يخجلون ، وكلٌّ بما لديهم فرحون ، ولو كره المخلصون ! !! وكلّ من يتطلع إلى الانفتاح ،  يُرمى بعدم الالتزام ، والتذبذب ،  والازدواجية والخروج عن الصف ، والمصلحة العليا للأمة... ، فإذن   نكرر، ما جدوى الثقافة أن نحملها ،  ونزعم التعلق بتلابيبها ، إذا لم تكن مشروعاً وطنياً خالصاً ، وإنسانياً شاملاً ، وعربياً جامعاً ، تذيب الفوارق ،  وتكسر الحواجز ، وتخلق المعاجز ،  وتنفتح على الرأي الآخر ، إعلامياً وثقافياً ،  دون تشنجات أومشاحنات ،  أو صراعات غير مشروعة ،  وفق التوازنات المدروسة والمتعقلة للقضايا المفصلية المؤثرة  عليها ،  وبالتحديد السياسية والدينية و المصالح المادية - للمثقف والأخر - السائدة في المجتمع ، بلا خضوع مُذل ولا تهور مُخل ! 
  ومن هنا نرى من الضرورة بمكان أن تشرع  الثقافة ببناء  مراكز بحوث علمية دقيقة ، يُعتمد عليها إحصائياً لفض النزاعات والمعوقات والإشكاليات ، ومعرفة آراء الناس وتطلعاتهم ومطالبهم ، وتحقيق ما يمكن تحقيقه منها  ،  وفي الحالات ذات الأهمية القصوى لتغييرالمسار سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً ...،  يُلجأ إلى رأي الشعب بأغلبيته البسيطة عن طريق أوراق الانتخابات ، لا عن طريق رصاص الرشاشات ، كما يحلو لبعضهم ، وإن قتل الناس جميعاً !!!  و يبقى الدستور والقانون فوق الجميع وقبل الجميع ،  هذا كلّه - ربما تعرفه فأذكر -  وأكثر منه ، لا يتمُّ ولن يتمَّ دون أن يكون المثقف الحقيقي المبدع المتفهم لواجبه الأخلاقي ،  مشاركاً حقيقياً في صنع القرار، لرفد الحضارة والازدهار ،غير مُهيمَن عليه بسياسة التبعية والاحتواء ،  إنْ لم نقلْ الازدراء ، وإلاّ  فأستميحكم عذراً ،  نحن -  وكل منـّا - على الأغلب  :
كالعيس ِ في البيداءِ يقتلها الظما*** والماءُ فوقَ ظهورها محمولُ
وكلّ يدّعي  وصلاً  بليلى *** وليلى لا تقرُّلهمْ بوصل ِ        
  (الماء) و (ليلى ) استعارتان تصريحيتان  محسوبتان لديَّ عن الثقافتين الجمعية والفردية  على التوالي  ،  والأشعار - كالأمثال - تضرب ولا تقاس !   اللهم  لا يأس ، فالأمم الحية - ومنها أمتنا - ،  والشعوب اليقظة - ومنها شعبنا - تترقب الآمال ، وتنظر إلى غدها  بتفاؤلٍ واطمئنان  ،  وتسعى للأعمال الحميدة ،  والأقوال المفيدة ، ولا أنفي الأقوال ، و لا أستخف بها تحت ذريعة الأعمال  ،  فلا بد أن يكون للكلمة شرف ومعنى  والتزام واحترام  ، والأحترام موصول  للإنسان ، لأنه في مفهومنا عمل ووجدان  ،  والمثقف من يستطيع أن يوازن بينهما  بالتمام والكمال ، والله الموفق  في كل الأحوال !!!

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق