لماذا الصراع على تشكيلة وفد المعارضة السورية؟/ راسم عبيدات

الصراع على تشكيلة وفد المعارضة السورية الى مؤتمر جنيف،الذي تأخر إقلاعه عن الموعد المحدد في الخامس والعشرين من الشهر الحالي،حيث لم ينجح وزيري الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" والأمريكي "جون كيري"  خلال لقائهما في زيورخ في العشرين من الشهر الحالي في حل عقدة تشكيلة،والصراع على تشكيلة وفد المعارضة السورية الذي تشارك فيه اطراف عربية واقليمية ودولية،ليست مسألة شكلية او تقنية،بل هي مسألة جوهرية وعلى قدر كبير جداً من الأهمية،فالصراع هنا جزء من الصراع والحرب المحتدمة بين تلك الأطراف في سوريا وعلى سوريا،فمن يحسم تشكيلة وفد المعارضة السورية الى جنيف،سيضمن له دوراً هاماً في مؤسسات الدولة السورية وحكومتها،وبالتالي الحسم سيتوقف عليه مستقبل سوريا،خياراتها،اولوياتها ،تحالفاتها ومواقفها تجاه قضايا المنطقة وبالذات الموقف والعلاقة مع اسرائيل والتحالفات القائمة امريكا وتوابعها من مشيخات النفط والكاز العربية ومعهم دعاة الخلافة العثمانية من جهة وروسيا وايران والصين ودول البركس من جهة اخرى.

ولذلك نرى بأن حرباً ضروساً تدور على تشكيلة وفد المعارضة السوري،فالمحور السعودي – التركي – القطري يقاتل بشراسة على ان تكون تشكيلة وفد المعارضة السوري  ك"وكالة حصرية" فقط لجماعة مؤتمر الرياض،مع ديكور شكلي من المعارضة العلمانية والديمقراطية،ومستبعد منها أي تمثيل للأكراد، معارضة ممثلة فيها قوى الإخوان المسلمين وقوى  مصنفة روسياً وسورياً وحتى امريكاً على قائمة الإرهاب  "أحرار الشام " و"جيش الإسلام" ومستثنى منها الأكراد لضمان بقاء تركيا ضمن المحور.في حين نرى بان روسيا وسوريا ومعهم ايران يصرون على ان تتمثل المعارضة الديمقراطية والعلمانية بشكل قوي في وفد المعارضة السورية،فهي معارضة غير متورطة في الدم السوري والإرهاب،بالإضافة الى كونها ستلعب دوراً فاعلاً الى جانب النظام الحاكم في خلق وبناء دولة ديمقراطية تقوم على التعددية السياسية والفكرية    والمواطنة الكاملة لكل مكونات ومركبات المجتمع السوري،وكذلك تمثيلها يضمن مشاركة القوى الكردية "الحماية الشعبية" و"الإتحاد الديمقراطي الكردي"، ولكن محور السعودية يرفض ذلك بشكل قاطع،والتهديدات بمقاطعة المؤتمر ونسفه قائمة،وكذلك التهديدات باللجوء الى الحسم العسكري كخيار للخروج من هذا المازق أصبحت ترجح على  خيار الحل بالطرق الدبلوماسية.

روسيا ومعها سوريا إقترحت للخروج من هذا المأزق ،ان تمثل المعارضة بوفود مستقلة،وفد تمثله جماعة مؤتمر الرياض،وبدون القوى الإرهابية "احرار الشام" و "جيش الإسلام" المتورطة في  جرائم بحق الشعب السوري،ووفد تمثله جماعة مؤتمري القاهرة وموسكو  من القوى العلمانية والديمقراطية،والحديث هنا عن معارضين مثل هيثم مناع (المنبر الديمقراطي) وصالح مسلم (القوى الكردية) وقدري جميل (الجبهة الشعبية) وغيرهم،وفي حالة رفض مثل هذا المقترح يكون التمثيل مناصفة،ولكن يبدو بان هذا المقترح حتى اللحظة لا توافق عليه دول محور الرياض وتضغط على واشنطن لتمرير مقترحها وموقفها حول تشكيلة وفد المعارضة، وتجري مفاوضات مكثفة بين كل الأطراف حتى يتم التوصل الى صيغة يصبح معها إنطلاق جنيف ممكناً،ولكن في حالة الفشل او التاجيل فإن الخيار العسكري سيتقدم على الحل السياسي،وهناك تضخيم وتهويل للأمور بأن فشل الحل السياسي،سيقود الى انهيار الدولة السورية ومؤسساتها وجيشها،وبان تصبح سوريا ملجئاً وملاذاً أمناً للجماعات الإرهابية.

أمريكا  تبعث وترسل رسائل متناقضة،فهي تريد ان تتعاون مع روسيا الممسكة بالورقة السورية من اجل حل سياسي للمسألة السورية،وكثير من الأسماء المطروحة روسياً للمشاركة كمعارضة سورية مقبولة عليها،بل هي ربما أقرب اليها من العديد من الأسماء في قائمة محور الرياض،ولكنها لا تريد ان توتر علاقتها بجماعة محور الرياض حلفائها،وربما تمارس ضغوطاً على الأكراد من اجل  تاجيل مشاركتهم في جولة الحوار الأولى،لكي يلتحقوا لاحقاً وبالمقابل هي تستغل الورقة والموقف الروسي للضغط على حلفائها من اجل تليين موقفهم والموافقة على ان يكون وفد المعارضة مناصفة او ان تمثلان بوفدين مستقلين،ويبدو بأن هذا الموقف لن يلقى قبولاً من محور الرياض حتى الان.

السياسة المتعجرفة والمتهورة من قبل حكومات التحالف الثلاثي السعودي- التركي – القطري،قد تقود الى حرب اوسع واشمل في سوريا بين قوى اقليمية ودولية،ولكن الوضع الان في سوريا ليس مريحاً لا لأمريكيا ولا لدول هذا المحور،فالجيش السوري بالمساعدة العسكرية الروسية المباشرة،وتحديداً الغطاء الجوي،جعلت هذا الجيش وحلفائه من قوى المقاومة يستعيد السيطرة على اجزاء واسعة من أراضي السورية،ويتقدم على اكثر من جبهة وصعيد،وبالتالي فإن التفاوض في مرحلة قادمة،سيتم بشروط الدولة السورية وإملاءاتها،حيث يكون الجيش السوري قد إستكمل إستعادة أغلب الجغرافيا السورية، وكذلك ايران حليف سوريا القوى تترسخ كقوة اقليمية كبرى في المنطقة،وستزداد قوة وحضوراً بعد رفع العقوبات الدولة عنها،وتحرر المليارات من أرصدتها المالية المحتجزة.

الحوارات حتى اللحظة لم تنقطع بين كل الأطراف،وتدوير الزوايا والمواقف لم يحصل،ولكن أمريكا ستمارس ضغوطاً هائلة على أصدقائها من المحور الثلاثي،لكي يلينوا ويغيروا مواقفهم،فما يجري على الأرض وفي المنطقة من تغيرات وتحولات ليس في صالحهم،وسيضطرون في المستقبل للتفاوض وبشروط اكثر تشدداً من قبل النظام السوري وحلفاءه.

لافروف وكيري سيقررون هل يقلع مؤتمر جنيف أم لا ؟؟،ومن هي المعارضة التي ستحضر هذا المؤتمر ؟؟،والمعادلة الان  تقول بان هذا الحوار إذا ما انطلق،فهو سيجري على أساس القرار الأممي 2254 والذي قال بأن الفترة الإنتقالية ستكون برئاسة الرئيس السوري بشار الأسد،حيث سيتم إجراء انتخابات ديمقراطية وبمشاركة أممية في إطار عملية سياسية،يجري خلالها تعديل الدستور،والتلاقي على عنوان واحد هو الحرب على الإرهاب كاولوية على العملية الإنتخابية.

كذلك فالحكومة السورية لن تقبل بأي شكل من الأشكال الذهاب الى جنيف دون معرفة مسبقة بأسماء وفود المعارضة،وترفض التعامل والتعاطي مع اجسام هلامية،قد لا يكون لها اي وزن او تأثير في الميدان.

 الميدان لن ينتظر طويلاً والجيش السوري يواصل تقدمه،ولذلك هو من سيحسم هوية ونوعية المعارضة التي ستشارك في مؤتمر جنيف.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق