قديسون ... وعاهرون/ سامح عوده

- فلسطين 
لستُ أدرى كيف يمكن  التمييز بين نموذجين مختلفين في المضمون ومختلفين في الشكل،  وهل ما في جعبتنا من كلمات تستطيع أن تعطي التفسير حقه، على غرار عنوان المقال " قديسون .. وعاهرون "، لستُ أدري كيف يتم استدراج الفكرة النبيلة وزجها في شراك العهر لتتحول من نفيس إلى خسيس ..؟!! وحتى لا نقع  في فخ التأويل غير المبرر والتفسير غير المنطقي اقتضى الأمر تفسير المقصود بالكلمتين الواردتين في العنوان.
القديسون ... هم الفلسطينيون الثابتون على أرضهم والرافضون للاحتلال وغير المرتبطين بأية أجندة تهدف إلى تقويض فعلهم وتهدد ووجودهم، يولد من رحمهم شبان في ريعان الشباب آمنوا بعدالة قضيتهم فانطلقوا وبصورة عفوية يدافعون عن قراهم وبلداتهم بعفوية تامة غير آبهين بعتاد وعدة وعدد أعدائهم، وفي كل لحظة نرى أنموذجاً نقياً طاهراً يسطر بتضحياته ملحمة بطولية تبهر القاسي والداني في الشكل والمضمون، هؤلاء هم شبابنا وشاباتنا رائعون حد الروعة أنقياء أكثر من النقاء لهذا استحقوا القداسة بامتياز .
وأما العاهرون ... فهم الذين يلبسون ثوب البطولة وهم أقزام..!! وهم الذين يظهرون بمظهر الأنبياء وفي حقيقتهم شياطين بهيئة بشر..!! ، وهم الذين يتظاهرون بحرصهم على دمنا وهم يبيعونه في سوق النخاسة..!! وهم الذين يتغنون بوحدتنا ويعملون جاهدين على شق صفنا ..!! وهم أصحاب الدينار والدولار الأسخياء على تضميد جراحنا لكنهم على العكس يرشون الملح عليها كي تؤلمنا وتتعفن..!! وهم .. وهم  وما أكثر عهرهم لذا اقتضى الأمر بأن يكونوا في خانة العهر التي وجدوا من أجلها .
 الفعل الانتفاضي النقي والنبيل .. الذي سطرَ بالدم منذ انطلاقة " هبة أو انتفاضة القدس " بتضحيات أبناء شعبنا في كافة أماكن تواجدهم، فعلٌ ثوري بامتياز استطاع أن يعيد الاعتبار لقضيتنا باعتبارها الملف الاسخن في الشرق الأوسط بالرغم من تداعيات الربيع العربي على المنطقة بأسرها وعلى الملف الفلسطيني  بصورة خاصة، لهذا أعاد هذا الفعل الثوري الخبر الفلسطيني إلى الصدارة بعد أن كان الخبر الخامس أو السادس في قائمة الأخبار ليكون الأول بلا منافس ..!!، ويعيد الحراك السياسي للقضية الفلسطينية التي حاول أعداؤها إبقاءها في غياهب النسيان، لتأتي هبة أبناء شعبنا- على اختلاف مشاربهم السياسية والدينية- وتعيد ذلك البريق الخافت لنرى النور الموعود في آخر النفق .
خلال الأيام والأسابيع الماضية لم تستطع إسرائيل وبكل ما تملك من ماكينة عسكرية إعلامية ودبلوماسية أن تطفئ وهج الفعل الفلسطيني، ولم تستطع حتى الآن من أن تحرز ضربة واحدة تحت الحزام، بل على العكس استطاع الشبان الفلسطينيون المؤمنون بعدالة قضيتهم وبصدورهم العارية وتصميمهم على المواجهة أن يسددوا ضربات موجعة في مرمى الاحتلال، الأمر الذي أظهر ركاكةً وتخبطاً وإرباكً الرواية الإسرائيلية في كل الأحداث الجارية، بل حتى كتاب الأعمدة في الصحف الرئيسية صبوا كل غضبهم على القيادة السياسية والجيش نظراً لإخفاقاتهم المتواصلة في إنهاء الهبة الفلسطينية وتورطهم في نقل روايات ليس لها علاقة بالواقع مما أدى إلى حالة هوس وإرباك في الشارع الإسرائيلي.
إسرائيل ومؤسساتها الأمنية تسعى إلى إنهاء الأحداث الجارية بالضربة القاضية وتكبيل القيادة السياسية التي تسعى جاهدة إلى تدويل القضية الفلسطينية لإنهاء آخر احتلال في التاريخ بقرار أممي،  ولهذا فإن  كل الفلسطينيين متفقون على أنه آن الأوان لإنهاء الاحتلال نعم .. متفقون في الهدف العام ومختلفون في الوسائل، منهم من يريدها سلمية مع حراك دبلوماسي .. ومنهم من يريدها طاحنة مع استخدام جميع الوسائل.
في خضم هذه المرحلة المشرفة من تاريخ شعبنا تسعى إسرائيل إلى استدراجنا إلى مربع تريده ، من خلال عسكرة  الفعل الشعبي الفلسطيني، وإظهار الصراع على أنه صراع  منظم جيش مقابل جيش، لتأخذ الضوء الأخضر بفتح مخازن الدبابات وترسانة الصواريخ والطائرات التي تمتلكها والتي لم تستخدم حتى  الآن لأن الفعل الفلسطيني الشعبي والمقاومة الذكية التي سطرها شباننا سحب هذه الذرائع من يد الحكومة المتطرفة والجيش المتعطش للقتل والدمار.  
ينبغي على الأطياف الفلسطينية المختلفة أن تتوافق على أن الطريق إلى فلسطين  واحدة .. وأن تضع عنواناً وأهدافاً لما يحدث بحيث تكون " سلمية، شعبية، شمولية" ليتواصل فعلنا النضالي وتستعر نار الانتفاضة، لنصل إلى هدفنا المنشود واثقي الخطى وبأقل الخسائر وهذا هو الأهم :
لا نريد وطناً مدمراً " أرضاً محروقة "
ولا نريد وطناً شبابه في رحم الأرض، نريدهم فوق الأرض كي يعمروها.
نريد وطناً حراً مستقلاً خالياً من الاحتلال عامراً بأهله وشبابه.
هذا الأمر لا يروق لأصحاب الردة والمتواطئين بقصد أو بغير قصد.. إن حالات العهر لأصحاب الأجندات الخاصة الذين يستخدمون قديسينا " الشهداء والجرحى " عنواناً لتجارتهم الخاسرة، إن  ما يقومون به من دور خبيث لصالح أجندات لا تريد بشعبنا وقضيته خيراً تتوافق ومصالح إسرائيل تختلف معها في الشكل لكنها تتفق في المضمون، هدفها مزيد من دمنا، مزيد من لحمنا.. مزيد من دموعنا وقهرنا، وخنوعنا، وجعلنا أرقاماً تستشهد رقماً بعد رقم  لنكون خبراً عاجلاً على شريطهم الإخباري ليس إلا ..!! .

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق